Thursday, 10 March 2011

المؤتمر الشعبي للدفاع عن القدس- عمّان 2000م - ميثاق الدفاع عن القدس

المصدر: موقع مركز الباحث الإلكترونيّ.



{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
 لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} صدق الله العظيم [الإسراء:1]



بعد أنْ استعرض المؤتمر الشعبي للدفاع عن القدس المنعقد في عمّان من 20 إلى 21/8/1997م، ما تتعرّض له مدينة القدس خاصة وفلسطين عامة، أرضاً وشعباً ومقدسات، من أخطار الاحتلال والاستيطان والتهويد، فإنّه يؤكّد أنّ الصراع العربي–الصهيوني هو صراعٌ على وجودٍ وليس نزاعاً على حدود، ويعلن هذا الميثاق، الذي يتعهّد الموقّعون عليه التزامهم بما جاء فيه من ثوابت، والعمل بمقتضاها، حفاظاً على القدس وهويّتها ومكانتها، وعلى فلسطين وانتمائها العربي الإسلامي، وعلى سائر الأقطار العربية من الخطر الصهيوني وامتداده.

مدينة القدس أولى القبلتَيْن ومسرى الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، فيها المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين الذي بارك الله حوله، وقبة الصخرة المشرفة، وكنيسة القيامة، مدينة عربية–إسلامية ترزح الآن تحت الاحتلال الصهيوني، ويتمسّك العرب والمسلمون بعروبتها وبحقوقهم التاريخية فيها، وبالسيادة عليها مهما طال الزمن وبلغت التضحيات، ويقاومون محاولات إفراغها من أهلها العرب، مسلمين ومسيحيّين، وعمليات تهجير أهلها والاستيلاء على  عقاراتها والمصادرة لأراضيها، وبناء المستعمرات فيها ومن حولها، وتغيير معالمها الدينية والتاريخية وطمس هويتها العربية، كما يقاومون كل اعتداءات اليهود على أماكنها المقدسة الإسلامية المسيحية، ويعاهدون الله على تحريرها وإعادة بسط سيادة الأمة عليها.

إنّ العهدة العمرية التي وقّعها الخليفة عمر بن الخطاب مع البطريرك صفرونيوس تُعتَبر أساساً استراتيجياً لعلاقة المواطنين المسلمين والمسيحيين وتعايشهم في القدس الذي دام على مدى قرونٍ طويلة، وإنّ المسلمين والمسيحيّين في القدس وفي أنحاء فلسطين كافة، هم شعبٌ عربي، والعهدة العمرية تعبيرٌ عن الامتداد التاريخي للثقافة والتراث العربيّيْن العريقيْن اللذيْن يقومان على الدفاع عن مبادئ الحق والعدل والسلام، وهو يتجلّى في مدينة القدس التي تشكّل امتداداً لرسالة العرب والمسلمين ومساهمتهم المتميزة في إغناء الحضارة الإنسانية.

فلسطين أرض عربية إسلامية، وما طرأ عليها من احتلال وتهويد، هو باطل، وتجب مقاومته وإزالته بكلّ الوسائل المتاحة مهما كلّف الأمر وطال الزمن، ومعركة القدس ومصيرها جزء أساس من معركة فلسطين ومصيرها، وأنّ كلّ ما أقيم من مستوطنات فيها هو جزءٌ من عملية استعمارية استيطانية، لا تكتسب أية شرعية قانونية أو سياسية، مهما مضى عليها من زمن، ولا تضفي أيّ نوعٍ من أنواع الشرعية على الوجود الصهيوني فيها.

تحرير فلسطين وإعادة سيادة أمّتنا عليها واجبٌ مقدّس وفرض عينٍ على العرب والمسلمين جميعهم، حكاماً وشعوباً، ويضطلع بمسؤوليته كلّ العرب والمسلمين، والشعب الفلسطيني هو طليعة الراية في مقاومة الاحتلال ومعركة التحرير، ويتحتّم حشْد الإمكانات والجهود العربية والإسلامية كافة وتوحيدها خدمةً لهذا الهدف، وتعميق البُعْد العالميّ لقضية القدس للوقوف في وجه عمليات الاستيطان والتهويد ووجود الاحتلال تحقيقاً للتحرير.

إنّ علاقة العرب والمسلمين بفلسطين ليست علاقة دينيّة فقط، بل هي أيضاً علاقة قومية، وعليه فإنّ القبول بأيّ شكلٍ من أشكال الولاية الدينية، دون السيادة السياسية الفلسطينية عليها، يكرّس الاحتلال ويحول دون استكمال شروط الولاية الدينية التي لا تقوم بوجود الاحتلال أصلاً.

إنّ الاتفاقيات والمعاهدات جميعاً التي عُقِدت بين بعض الحكومات العربية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني، المعروفة باتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وتوابعها وملاحقها، هي اتفاقيات ومعاهدات إذعانٍ استسلاميّة تهدّد الحقوق التاريخية الثابتة للعرب في فلسطين، ولا يمكن أنْ تضفي الشرعية على العدوان والاحتلال في القدس وفي فلسطين، وهي لذلك باطلة وغير ملزمة للعرب والمسلمين، ويجب مقاومتها وإسقاطها، وينسحب هذا على أيّ اتفاقيات قد تعقدها بعض الأنظمة العربية مستقبلاً مع العدو الصهيوني.

اللاجئون والنازحون الفلسطينيون أُخرِجوا من بلادهم ظُلْماً وعدواناً بسبب الإرهاب الصهيوني والحرب والمذابح والطرد القسريّ والتهجير وسائر الجرائم والممارسات البشعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وعلى رأسها جيش الهاجاناه، وقد حال العدوّ بينهم وبين العودة إلى وطنهم وديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم التي استولى عليها اليهود بالعدوان الدمويّ، ويحاول مع جهاتٍ دولية أخرى توطينهم في الدول العربية، الأمر الذي نرفضه ونقاومه، ولذلك فإنّنا نتمسّك بحقّ الفلسطينيين في تحرير وطنهم والعودة إليه، بوصفه حقاً أصيلاً لا يجوز ولا يمكن التنازل عنه، ولا يطاله التقادم، ويتحمّل العرب مسؤولية فرضه ويطالب المسلمون بمساندة الفلسطينيين خاصة، والعرب عامة في قضية التحرير.

إنّ أراضي القدس خاصة، وفلسطين عامة، ملكٌ لشعبها الفلسطيني، وأكثرها وقفٌ إسلاميّ، وما تبقّى خارج ذلك (الوقف) يحرُم التنازل عنها أو بيعها للعدو الصهيوني أو لوكلائه، كما يحرُم قبول التعويض عنها. والتمسك بهذه الأرض التي باركها الله، هو جزءٌ من عقيدة المسلم، إنْ تنازل عنها تنازل عن عقيدته.

إنّ استمرار مقاطعة دولة العدو الصهيوني، عربياً وإسلامياً، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، على المستويات جميعاً، يشكّل سلاحاً فاعلاً في يد العرب والمسلمين على طريق التحرير، ولذلك فإنّه يتحتّم أنْ تعود الدول العربية والإسلامية والصديقة التي أصبحت تعترف بدولة الاغتصاب والعدوان والعنصرية وتتعامل معها، إلى استخدام هذا السلاح، وفي مقدّمة ذلك تفعيل المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، ووقف تطبيع العلاقات معه، الذي هو أحد استحقاقات سلام الاستسلام، والتصدّي لكلّ أشكال الاعتراف به والتطبيع معه بكل الوسائل الممكنة.

الولايات المتحدة الأمريكية دولة استعمارية معادية للعرب والمسلمين تنهب خيرات أوطانهم، وتقف في وجه حقوقهم وتطلعاتهم المشروعة، وهي حليف استراتيجي للعدو الصهيوني وشريكٌ له في عدوانه وممارساته العنصرية ومؤيّدٌ دائمٌ وداعمٌ قويّ لمخطّطاته التوسعية والاستيطانية والسياسية في كلّ المجالات، لذا ينبغي التوقّف عن التعامل معها والكفّ عن الركون إلى أيّ دورٍ تدّعي أنّه يساهم في استعادة الحقوق العربية المسلوبة، والوقوف ضد مصالحها في البلدان العربية والإسلامية.

إنّ حقوقنا في وطننا ومقدساتنا حقوق طبيعية وتاريخية، اكتسبناها من خلال تجذّرنا في أرضنا وعلاقتنا التاريخية بها، ولا نسمح لأية هيئة دولية بأنْ تتدخّل في هذا الحقّ الطبيعي، ونرفض من هذا المنظور كلّ القرارات التي تمسّ بحقوقنا الطبيعية والقومية والدينية في القدس وفلسطين، وهيئة الأمم المتحدة تنبع أهميّتها أصلاً من استقلاليتها وتمسكها بالقانون الدولي، إلا أنّ مؤسستها الأولى، (مجلس الأمن الدولي) أصبح أداةً طيّعةً في يد الولايات المتحدة الأمريكية، تستخدمها لتنفيذ خططها وسياساتها وخدمة مصالحها، وتظهر فيها ازدواجية المعايير، لذلك لم يعُدْ مجدياً النظر إليها إلا باعتبارها منبراً إعلامياً.

إنّ معاهدة سايكس بيكو، وما نتج عنها من وعودٍ وعمليات تقسيم وإقامة جغرافيا سياسية جديدة، لا سيما في بلاد الشام، أسّست لزرع الكيان الصهيوني في فلسطين، ومهّدت لاحتلال القدس، ودعمت كلّ خططه ومشاريعه في هذا الاتجاه، ولذا فإنّنا نعلن إدانتنا لها ورفضنا لكلّ ما بُنِي عليها وما نتج عنها، وفي مقدّمة ذلك الصيغة القطرية التي أصبحت صيغة اعتراضية على القوميّة، وعامل إضعاف للقوة العربية، وتدمير لمقوّمات الوحدة في الوطن العربي كله.

إنّ التعصّب الصهيوني نابعٌ من تكوين الصهيونية العقائديّ التوراتي التلمودي، وهو في صلب تكوينها منذ قامت، وهو كذلك نهجٌ يوجّه كلّ القوى الصهيونية مهما اختلفت أو تناقضت، وقد ظهر التعصّب العنصري بكلّ أبعاده في مسلك الصهاينة جميعاً، وتمثّل في اغتصاب الأرض وطرد السكان، وارتكاب المجازر، وتبرير كلّ أشكال العدوان والاستخفاف بكل المبادئ والقيم.

الخطر الصهيوني لا يقتصر على فلسطين وحدها، إنّما يهدّد الوطن العربي والأمة، إذْ ما زال العدوّ يتابع تنفيذ مشروعه الاستيطاني التوسعي الاستعماري بكلّ الوسائل، وهو يتبع سياسة الضم والتهويد، كما في الجولان وجنوب لبنان وباقي الأرض المحتلة. ولم يعُدْ أمام العرب أيّ خيارٍ سوى المقاومة والإعداد الشامل لمعركة التحرير بامتلاك كلّ مقوّمات الوعي والوحدة والقوة على أرضية العلم والإيمان والعمل بهما. وصولاً إلى تحرير إرادتنا وقرارنا السياسيّ والاقتصادي والعسكري، والاستمرار في المقاومة بكلّ الأشكال والوسائل والأدوات الممكنة، باعتبار المقاومة حقّاً مشروعاً للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وليست إرهاباً من أيّ نوع، ولا تنطبق عليها أية صفة من صفات الإرهاب وأهدافه، والمقاومة في وضعنا الراهن هي أهمّ الوسائل لحرمان العدو من الاستقرار، ومن مواصلة بناء قوّته العدوانية، النووية وغير النووية، وتطوير المقاومة في ظلّ ذلك الاستقرار، يجب أنْ يصبح خيارنا الاستراتيجي، على طريق التحرير والعودة.

جماهير الشعب في كلّ الأمم هي مصدر القوة والصمود، وصاحبة المصلحة في الدفاع ومجابهة العدوان، لها وسائلها النضالية التي تثبت أهميّتها وفعاليتها لنضالات شعبنا وسائر الشعوب، وهي في الوطن العربي معطّلة مغيّبة بفعل مواقف وتصرّفات الأنظمة الفردية التابعة، ولذا فإنّ النضال من أجل إطلاق هذه القوى الشعبية بمختلف مكوّناتها من عقالها، وإزالة العقبات القمعيّة من أمامها، وتحقيق الحريات العامة الأساسية التي تتيح لها حرية المشاركة الديمقراطية الفعّالة في مواجهة أخطار التبعية والهيمنة الإمبريالية والتهويد، ضرورة أساسية لا بُدّ منها.

No comments:

Post a Comment

شارك برايك