Tuesday 5 April 2011

أعلام مقدسية - الشيخ عبد القادر المظفّر

المصدر: "مجاهدون من فلسطين"، د. علي صافي حسين


اشتهر الشيخ عبد القادر المظفّر –في حياته- بالصدق في القول والإخلاص في العمل، والتفاني في سبيل الله والوطن، وكان محبّباً لدى أصدقائه ومخالطيه موقّراً عند خصومه ومخالفيه، فلم يُسمَع ذمّه من أحد، ولا طعن في عرضه إنسان، يل كان يذكره الجميع برباطة الجأش وقوّة الشكيمة ومضاء العزيمة وحسن التديّن وعمق الإيمان.

وُلِد الشيخ عبد القادر المظفّر بالقدس القديمة، سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وألف ميلاديّة (1892م) في بيت علمٍ وأدب، إذ كان والده يشغل منصب مفتي الحنفيّة بمدينة القدس، ويشرف على إدارة الوعظ والإرشاد في مختلف أنحاء البلاد، وكان معروفاً بالتقى والورع، مشهودٌ له بالتفوّق على أقرانه في الفقه ورواية الحديث.

وقد عُنِيّ الشيخ المظفّر بتربية ابنه تربيةً دينيّة ونشئه تنشئةً وطنيّة– إذ كان يحفّظه بنفسه القرآن ويعلّمه تجويده، ويدرّسه كتب الفقه، ويروي له أشعار لحماسة، وأخبار الأبطال المكافحين.

وقد ظلّ يأخذ العلوم الدينيّة واللغويّة عن أبيه حتّى توفّاه الله وكانت سنّه وقت أنْ قُبِض والده نحو الخامسة عشرة فكفله عمّه الذي كان آنذاك ضابطاً في الجيش التركيّ وكان أحد جماعة الضبّاط
 العرب الذين كانوا يعملون على تخليص الشعوب العربيّة من نير الدولة العثمانيّة.


المؤتمر  العربيّ الفلسطينيّ الخامس الذي انعقد في نابلس بتاريخ 22 أغسطس 1922م

وبعد وفاة الشيخ المظفّر بنحو سنتين ارتحل الشيخ عبد القادر إلى القاهرة حيث انتسب إلى رواق الشوام بالأزهر، وقد ظلّ في جواره يستظهر العلوم الدينيّة واللغويّة حتّى نال الشهادة الأهليّة المؤقّتة سنة 1918م.

ثمّ عاد إثر انتهاء الحرب العظمى إلى فلسطين ليجد الحال فيها قد تبدّل من شيّء إلى أسوأ إذ كان الإنجليز قد خلفوا الأتراك في احتلال البلاد وأخذوا يعيثون فيها فساداً.

ولا غرو فقد استهلّ الإنجليز حكمهم فلسطين بفتح أبواب الهجرة اليهوديّة على مصراعيها من جهة، ونقل ملكيّة الأراضي الأميريّة إلى الأيدي الصهيونيّة من جهةٍ أخرى؛ الأمر الذي أثار حفيظة الشيخ عبد القادر ضدّ الصهاينة وأحنقه على الإنجليز، فراح يخطب الناس إثر صلاة الجمعة في المسجد الأقصى تارةً، وفي مسجد عمر بن الخطّاب تارةً أخرى، يحثّهم على الثورة والجهاد للمحافظة على الأرض من اغتصاب الصهيونيّين وتحرير البلاد من حكم  الانتداب، فأغضب بذلك البريطانيّين وأقضّ مضاجع الصهيونيين، فأوعزت الوكالة اليهوديّة إلى المندوب السامي الإنجليزي أنْ يأمر باعتقاله فتردّد بادئ الأمر، ولكنّه عاد فاستجاب لزعماء الصهاينة ونفّذ لهم ما طلبوه، إذْ انتهز فرصة الثورة التي اشتعلت سنة 1920م للمطالبة بوقف الهجرة اليهوديّة وإلغاء وعد بلفور وإقامة حكومة عربيّة مستقلّة في البلاد، فأمر باعتقال الشيخ عبد القادر المظفّر ووضعه في سجن المسكوبيّة بتهمة تحريض الجماهير على الثورة ضدّ الصهاينة والبريطانيّين؛ ثمّ رأى المندوب السامي أنْ يكسب ودّ هذا الخطيب المفوّه عسى أنْ يتحوّل عن مبدئه، ويصبح أحد صنّاع الإنجليز، فأخرجه من السجن، وأسند إليه منصب الإفتاء.. غير أنّ ذلك لم يكنْ بالطعم الذي يوقِع الشيخ عبد القادر في الشَرك الأثيم، أو يخرجه من حلبة المكافحين وزمرة المجاهدين بل ظلّ –رحمه الله- ينافح عن الأماكن المقدّسة، ويكافح في سبيل تحرير فلسطين..

ففي شهر آب (أغسطس) سنة 1922م كان الشيخ عبد القادر في مقدّمة الداعين إلى المؤتمر العربيّ الفلسطينيّ الخامس الذي انعقد في نابلس والذي أقرّ فيه المؤتمرون بالإجماع الميثاق الوطنيّ التالي:
"نحن ممثّلي فلسطين، أعضاء المؤتمر العربيّ الفلسطينيّ الخامس، نقسم أمام الله والأمّة والتاريخ بانْ نواصل المساعي المشروعة لتحقيق الاستقلال والاتّحاد العربيّ، ورفض الوطن القوميّ اليهوديّ، والهجرة الصهيونيّة..".

وفي اليوم الثالث عشر من شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة ثلاثٍ وثلاثين وتسعمائة وألف (1933م) خرج الشيخ عبد القادر المظفّر من المسجد الأقصى يقود جماهير المصلّين في مظاهرةٍ عارمة، تندّد بالانتداب البريطانيّ، وتستنكر في شدّة وعنف فكرة إنشاء وطنٍ قوميّ يهوديّ في فلسطين، وتطالب في إلحاحٍ وتصميم بوقف الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، وقد أمطر عساكر الإنجليز جموع المتظاهرين بوابلٍ من رصاص بنادقهم، فاستشهد عددٌ غير قليل وأصيب خلْقٌ كثير بجراحات مختلفة، ثمّ قبضوا على الشيخ عبد القادر المظفّر وعلى اثنيْن آخرين من رجال الوطن المخلصين، وبعد أنْ قضوا في قشلاق البوليس بقلعة القدس زهاء عشرين يوماً حوكموا محاكمةً صوريّة، ثمّ صدرت الأحكام عليهم بالإعدام، وبذلك نال الشيخ عبد القادر شرف الاستشهاد.



4 comments:

شارك برايك