Sunday 27 February 2011

التطور التاريخي لنضال الشعب الفلسطيني

التطور التاريخي لنضال الشعب الفلسطيني
 للحفاظ على يبوسية القدس




إعداد 
محمد ذياب أحمد أبو صالح
مدير البحث والتوثيق في وزارة الأوقاف سابقاً

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

تعتبر القدس من أقدس وأقدم مدن الدنيا، وقد ورد ذكرها في الكتب السماوية والأحاديث النبوية الشريفة والتي تدل على قدسيتها وقدمها. سكنها الإنسان منذ عصور موغلة في القدم سكنها. فالحفريات والمأثورات التي تم العثور عليها تدل على قدم هذه المدينة. فالقدس جوهرة الدنيا وسرة الأرض وإن من يملك هذه الجوهرة، لا بد وأن  يحافظ عليها، ويدافع عنها. وإن التاريخ الوثائقي الذي وقع بين أيدي البشرية يدل على أن اليبوسيين - وهم أحد بطون الكنعانيين – من أوائل بناتها وكان ملكا عليها ملكي صادق الموحد اليبوسي. وإن هذا لا ينفي أن هناك أمم غابرة سكنتها أيضا.
كما أن القدس تعرضت لغزو بني إسرائيل فعندما دخلوا هذه البلاد في عهد يشوع بن نونن  بيد أن المدن الفلسطينية الخمس وعلى رأسها القدس وقفت جميعا أمام  زحف بني إسرائيل واستطاعت أن تقاومهم وتصمد في وجوههم قرابة ثلاثمائة سنة إلى أن استطاع النبي داود اقتحامها كما معلوم عن طريق نفق سلوان وسكن بنو إسرائيل بجانب سكانها الأصليين اليبوسيين.

تعرضت القدس للعديد من الغزوات ودمرت ثمانية عشر مرة، وكان الفلسطينيون  يدافعون عنها ويقاومون المحتل. وللمرة الأولى في تاريخها تفتح القدس سلما في عهد عمر بن الخطاب، حيث أعطى الأمن والأمان لساكنيها، ولم تخرج من الحكم الإسلامي  إلا في عهد  الغزو الصليبي، فوقف سكانها ضده وذبح الصليبيون منهم  ما يربو على السبعين ألفا في باحات المسجد الأقصى المبارك. حررها صلاح الدين الأيوبي واستعادت مكانتها. وبقيت على مر العصور الإسلامية شامخة إلى أن تم الاستيلاء عليها من قبل الحلفاء في مطلع القرن العشرين وسلموها لقمة سائغة لليهود بعد أن جردوا أهلها وكل الأمة من مقومات الدفاع عنها, ولكن الفلسطينيين وعلى الرغم من كل الإجراءات التي استخدمها المحتل فإنهم لم يهنوا أو ييأسوا يوما في الدفاع عن مدينتهم المقدسة مهما كلفهم ذلك من ثمن. وهم الذين يحملون الهم ويشكلون على مدى تاريخهم العريق عبء المقاومة والدفاع عن هذه المدينة العربية الإسلامية.

والله نسأل أن يوحد أمتنا ويجمع شملها ويعيد لها أمجادها، إنه نعم المولى ونعم النصير.

الباحث
محمد ذياب أبو صالح -  دورا / الخليل


التطور التاريخي لنضال الشعب الفلسطيني
 للحفاظ على يبوسية مدينة القدس

لقد ورد ذكر مدينة القدس على ألسنة الأنبياء والمرسلين وفي رسالات التوحيد بفضل رب العالمين. ولا أدل على ذلك من أهميتها لما ورد في شأنها في القرآن الكريم قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) .
كما ورد في شأنها العديد الأحاديث النبوية الشريف(عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع على الأرض أول؟ قال : المسجد الحرام. قلت ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى. قلت : كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد، فصله، فإن الفضل فيه)
فالأقصى الذي هو حاضرة هذه المدينة قد بني بعد الكعبة بأربعين عاما، وإن الملائكة هم الذين بنوه، وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدل على قدم هذه المدينة. ولكن حلقات التاريخ الموثقة مفقودة

تبدأ قصة نضال أهل القدس ضد أعدائهم أيام اليبوسيين عندما (أخذ كدر لعومر ملك عيلام لوطا ابن أخي أبرام العبراني وأملاكه إذ كان ساكنا في سدوم... فأتى من نجا وأخبر أبرام العبراني وكان ساكنا عند بلوطات ممرا الأموري أخي أشكول وأخي عاثر، وكانوا أصحاب عهد مع أبرام.... فخرج ملك سدوم لاستقباله بعد رجوعه من كسرة كدر لعومر والملوك الذين معه إلى عمق شوى الذي هو عمق الملك، وملكي صادق ملك شاليم أخرج خبزا وخمرا وكان كاهنا لله العلي وباركه وقال مبارك أبرام من الله العلي مالك السموات والأرض)
لئن دل هذا على شيء،  فإنما يدل على أن القدس اليبوسية تعرضت لأطماع الغزاة منذ عصور موغلة ووقف أهلها اليبوسيون في وجههم وناضلوا من أجل تحرير بلدهم يبوس، التي تعرضت للعديد من الاعتداءات وكان موقف أهلها في الدفاع عنها واضحا

[أورشليم - الكنعانية اليبوسية (القدس)]
تقف في وجه الغزاة  إباّن الغزو الإسرائيلي لفلسطين عام 1220 ق: م.

 


[فلما سمع أدوني صادق ملك أورشليم أن يشوع قد أخذ عاي وحرمها كما فعل بأريحا وملكها وأن سكان جبعون قد صالحوا إسرائيل.... فأرسل أدوني صادق ملك أورشليم إلى هوهام ملك حبرون وفرام ملك يرموث ويافع ملك لخيش ودبير ملك عجلون يقول : اصعدوا علي وأعينوني فنضرب جبعون لأنها صالحت يشوع وبني إسرائيل، فاجتمع ملوك الأموريين الخمسة ملك أورشليم وملك حبرون وملك يرموث وملك لخيش وملك عجلون وصعدوا هم وكل جيوشهم ونزلوا إلى جبعون وحاربوها]
إذن وقف سكان القدس اليبوسية في وجه يشوع قائد بني إسرائيل وقاوموه بل وضربوا هم وبقية الملوك الأربعة الآخرون سكان جبعون كونها صالحت يشوع!

لم يتمكن بنو إسرائيل من اقتحام هذه المدينة أو النيل منها لوقوف أهلها وقفة بطولية في وجوه الغزاة وبقيت محافظة على يبوسيتها.
أما سكان يبوس فقد وقفوا في وجه سبط يهوذا وحاربوهم [وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوها بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار]
لماذا كانت الحرب، وضربها بحد السيف وحرقها؟ لم يأت ذلك من فراغ بل لمقاومة أهلها للغزاة!.

أورشليم اليبوسية تقف في وجه النبي داود (عليه السلام) :
من المعلوم أن أسباط بني إسرائيل قد أجمعوا على قيادة داود لهم، وحاول اقتحام يبوس عدة مرات بيد أنه لم يستطع، غير أنه غيّر خطته الإستراتيجية ودخلها عن طريق (نفق عين سلوان) واستطاع بنو إسرائيل الوصول إليها بعد مقاومة شرسة مكثت مدة طويلة .[كان داود ابن ثلاثين سنة حين ملك. وملك أربعين سنة في حبرون. ملك على يهوذا سبع سنين وستة أشهر وفي أورشليم ملك ثلاثا وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا، وذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض، فكلموا داود قائلين لا تدخل هنا ما لم تنزع العميان والعرج أي لا يدخل داود
 إلى هنا]

ماذا يعني هذا الشرط؟ أي أن اليبوسيين ما زالوا على منعتهم باشتراطهم عليه بعدم دخول العرج والعميان لمدينتهم، أي أن مفاتيح المدينة ما زالت بأيديهم.
نكتفي بهذا القدر من نضال الشعب الفلسطيني بعامة وسكان القدس بخاصة ضد الغزاة في هذه الحقبة، ويكفينا القول – والسرد هنا يطول - أن هذه المدينة قد هزأت بغزاتها على مر تاريخها وبقيت عربية فلسطينية يبوسية بعد كل مرحلة من مراحل الغزو والدمار الذي حاق بها، وإذا ما تجاوزنا حقب التاريخ المتلاحقة، نجد الموقف المشّرف لأهل هذه المدينة عبر التاريخ للحفاظ على عروبيتها ويبوسيتها. ولم يذكر لنا التاريخ أنها لم تقاوم المحتلين لها إلا في الفترة الإسلامية أي الفتح العمري، الذي لم يرق فيها نقطة دم واحدة، ودخلها عمر سلما،ً فأصبحت إسلامية على مدى أربعة عشر قرنا. عدا فترة الغزو الصليبي والاستعمار الغربي والاحتلال الصهيوني.

يمضي بنا قطار الزمن إلى نهاية العهد العثماني حيث برزت الأطماع الاستعمارية الصهيونية باتجاه هذه المدينة بخاصة وفلسطين بعامة وننتقل إلى مرحلة جديدة من الإرهاصات المبكرة لانتباه الفلسطينيين للخطر الصهيوني الداهم لهذه المدينة.إرهاصات وعي الشعب الفلسطيني  على الخطر الصهيوني مبكرا .
من المعلوم أن اليهود قد خرجوا من اسبانيا والبرتغال إثر المذابح التي جرت للمسلمين وغيرهم في هذه البلاد، وتم طردهم منها، حيث لجأت أعداد كبيرة من بقايا المسلمين الذين عاشوا في هذه البلاد منذ دخول الأمويين إليها. وقد عاش اليهود بأمن وأمان في كنف المجتمع المسلم دون التدخل في شؤونهم المدنية أو الدينية, ولما خرج المسلمون من تلك البلاد تبعهم اليهود ولجؤوا إليهم في كل من شمال إفريقيا وفلسطين والوطن العربي والإسلامي كأي جالية.

في نهاية العهد العثماني أوفدوا على السلطان عبد الحميد يطالبونه بمنحهم جزءا من فلسطين مقابل تسديد ديون السلطنة العثمانية. وكانت إجابته لهم بأنه لو يعمل المبضع في جسده أهون عليه من التفريط بجزء من أرض المسلمين. فأخذوا  بأساليبهم المعروفة وبالتعاون مع الدول الاستعمارية الطامعة في أملاك العثمانيين يخططون لإجهاض الخلافة العثمانية ويعملون على تنفيذ خطتهم الرامية إلى جعل فلسطين وطنا قوميا لهم. متذرعين بالحجج التوراتية وأن فلسطين أرض الميعاد وغير ذلك من الحجج التي دلسوا بها على العالم لإقناعه بعدالة قضيتهم كما يدعون!.

تنبه الفلسطينيون على سوء النوايا مبكرا عندما [جرت أول محاولة لهم سنة 1886م إثر طرد المستوطنين اليهود للفلاحين سكان الخضيرة وملبس(بتاح تكفا) بقسوة بالغة، فقد عاد هؤلاء الفلاحون المقهورون، وهاجموا المستوطنين اليهود وقد فرضت الحكومة العثمانية قيودا على هجرة اليهود على فلسطين.

الفلسطينيون يتنبهون للخطر الصهيوني:

تنبه الفلسطينيون وفي طليعتهم أبناء القدس  للخطر الصهيوني وأطماعه كونهم ذوو باع طويل في العمل والمعرفة والثقافة، وهم ورثت الحضارات المتعاقبة. فبحكم موقعهم الديني والسياسي والعلمي والوطني فقد تنبهوا مبكرا إلى هذه المحاولات.
[في شهر أيار مايو من عام 1890م ولما كان صبر الفلسطينيين قد عيل من محاباة رشاد باشا متصرف القدس لليهود. قام وفد من وجهاء مدينة القدس بتقديم احتجاج ضده للحكومة العثمانية وقاموا بتقديم عريضة ثانية في العام التالي احتجاجا على هجرة اليهود الروس وقد ورد في نفس العريضة احتجاج على سيطرة اليهود على تجارة البلد]
لم يتفجر وعي الفلسطينيين القومي مع الاستيطان اليهودي – الصهيوني فقط، بل قبل ذلك، عندما أيد سكان فلسطين ثورة عرابي في مصر على الاستعمار البريطاني. فقد ذكر القنصل البريطاني في القدس في تقاريره إلى حكومته سنة 1882م، إن تجارب عرب فلسطين مع ثورة عرابي قد أدت إلى اضطرابات في كل من يافا والقدس. ومن المنطق القومي نفسه، تجاوب عرب فلسطين أيضا مع ثورة المهدي، بعد عامين. وأخذت صحافة مصر، بلسان العرب خارج فلسطين، تعكس – بصورة عامة – في مفهومها للتعامل مع الصهيونية المستجدة في المنطقة، اتجاها مختلفا عن مفهوم عن مفهوم أبناء البلاد الفلسطينيين فبينما رأت هذه الصحافة – بلسان العرب – خارج فلسطين.
كما أن الصراع الاقتصادي بين العرب واليهود أخذ بعدا جديدا، فقد كان للفلسطينيين أبناء البلاد رؤية مختلفة في هذا الشأن فكانوا يرون التمدد الصهيوني أمام أعينهم يزحف زحفا بطيئا، ولكنه أخذ في الانتشار وقد تصدى الفلسطينيون لهذا الزحف بوسائل متعددة، وبقدر ما كان التغلغل الصهيوني يتمدد للاستيلاء على المزيد من الأرض ومقدرات البلاد  كان التصدي له يتخذ وسائل مستجدة.
[وفي السنة نفسها التي عقد فيها مؤتمر بال أنشئت في القدس هيئة محلية ذات صلاحيات حكومية بشأن التدقيق في طلبات نقل الملكيات في متصرفية القدس، ولم تكن ولادة هذه الهيئة مصادفة، بل حماية للأرض من الجشع الصهيوني، وقد أثبتت هذه الهيئة فاعليتها ولا سيما بجهود رئيسها محمد طاهر الحسيني مفتي القدس، وهو الذي كان من أبرز من تصدى للخطر الصهيوني، وقد تمكن من الحؤول دون حصولهم على أرض زراعية في متصرفية القدس لسنوات عديدة]

الأقلام الفلسطينية تفتح الأعين على خطورة العمل الصهيوني

تنبه الفلسطينيون وفي جميع المحافل المحلية والدولية على خطورة العمل الصهيوني. علاوة على مواقفهم لدى الباب العالي في اسطنبول من قضية الهجرة اليهودية، إلا أنهم أخذوا ينشرون الوعي بين طبقات الشعب بأقلامهم وقد صدر خمسة عشر صحيفة عام 1908م أي سنة صدر الدستور العثماني الذي يمنح حرية الصحافة، وقد صدر خمسة عشر صحيفة في فلسطين كان نصيب القدس منها ثلاثة عشر صحيفة، وكان جل اهتمامها بالقضية الفلسطينية وتنبيه الأمة إلى الخطر الصهيوني. وكان من أبرز الأقلام المقدسية في هذه الصحف روحي الخالدي الذي كتب في مخطوطته عن المسألة الصهيونية وخطة الصهاينة في شراء الأراضي من الفلاحين.
في عام 1912م طالب نواب القدس مجلس المبعوثان التركي بسن تشريع يمنع الصهاينة من الهجرة وامتلاك الأراضي وقد تميز هؤلاء بإطلاعهم الواسع على القضية الصهيونية.

نشوء الأحزاب والجمعيات الوطنية  في فلسطين

أنشئ في نهاية العهد العثماني في  فلسطين أحزاب وجمعيات سياسية سرية وعلنية وكانت نشاطاتها تنصرف على مكافحة الصهيونية و كان أعضاؤها من الشبيبة الفلسطينية وكان الشيخ سليمان التاجي الفاروقي من المؤسسين للحزب الوطني العثماني سنة 1911م.
[وفي سنة 1913م اتخذت جمعية مكافحة الصهيونية من نابلس مقرا رئيسيا لها، وأقامت فروعا في المدن الفلسطينية تدعو لمقاومة بيع الحكومة للأراضي بالمزاد العلني كما دعا نجيب نصار إلى إنشاء الجامعة العربية الفلسطينية سنة 1913م في سنة 1914م أنشئ في القدس وحدها أربع مؤسسات سياسية واقتصادية هدفها الوقوف في وجه الأخطار الصهيونية. كما بدأت  حركة المنشورات توزع من داخل القدس لنفس الغاية تدعو إلى اليقظة من الخطر الصهيوني.
وفي اسطنبول تكتل الطلبة الفلسطينيون مع زملائهم العرب في جمعية لمكافحة الصهيونية مركزها القدس وفروعها في المدن الفلسطينية. وفي سنة 1913م أنشأ الطلاب الفلسطينيون في الأزهر الشريف "جمعية مقاومة الصهيونية"]
لهذه الأسباب فقد تطور الوعي الفلسطيني لدى أبناء هذا الشعب ضد الخطر الصهيوني مبكرا وأخذ بوسائل الدفاع المشروع حيث كان يقابله المد الصهيوني المدعوم من الدول الغربية الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا ذات النفوذ.

القدس في عهد الاحتلال البريطاني 1917م – 1947م

وصلت الأوضاع في نهاية العهد التركي إلى مرحلةٍ لا تطاق على جميع الصعد، فالدولة العثمانية قد ناوشتها أطماع الغرب والشرق، فسمتها الدول الاستعمارية  بالرجل المريض، وأصبحت أملاكها بانتظار نهب هذه الدول، ودب الفساد الإداري والمالي في جسم هذه الدولة المترامية الأطراف. ومما زاد الطين بله أن الإنجليز عقدوا الاتفاقيات مع الشريف حسين شريف مكة وأوهموه بأنهم سيخلصون له إذا ما وقف بجانبهم ضد الأتراك، ولم يكن موقفه هذا طمعا في ملك أو زعامة بل أنه كان يرى في تحرير الأمة العربية من الأتراك فرصة له بحيث تسلط عدد من قادة الأتراك على العرب وقتلوا وشنقوا منهم العديد، فتنادى العرب إلى التحرر من الأتراك. فكان هذا من الأسباب الرئيسة التي ساهمت في إنهاء الحكم التركي عن أرض العرب.

بيد أن سوء النوايا كانت لدى الإنجليز، فقد حاولوا إرضاء العرب أولاً، لوقوفهم بجانبهم ضد الأتراك ووعدوهم بالحرية. لكن جميع هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح وذابت على بحر من الجليد فتمخض عن هذا الموقف ذلك الجشع الاستعماري الذي تكشّف فيما بعد  عن أمرين هامين ألا وهما:

أولا -: اتفاقية(سيكس بيكو) التي قسّمت الوطن العربي بين بريطانيا وفرنسا.
ثانيا –  وعد بلفور الذي منح اليهود الحق لمن ليس له حق في فلسطين.

نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914م ووقف الإنجليز وأعداؤهم الألمان وجها لوجه، ورأى الأتراك من مصلحتهم أن يقفوا مع الألمان. ضد الإنجليز. ووضعوا نصب أعينهم وبإيعاز من حلفائهم الألمان مصر – لا يقصدون احتلالها – إنما يقصدون شغل الإنجليز المرابطين فيها فضلا أنهم كانوا يعتقدون أن المصريين لا بد وأن يثوروا على الإنجليز بمجرد اقتراب الكتائب التركية من قناة السويس، فتعرقل بثورتهم وبمرابطة الأتراك على قناة السويس وسائط النقل بين بريطانيا والهند. حشد الأتراك ثلاث فرق لمهاجمة الإنجليز في منطقة قناة السويس، بيد أنهم خسروا المعركة في حملتين، حيث أصبحوا في موضع المدافع بعدما كانوا في موضع المهاجم.

استعد الإنجليز لمهاجمة الأتراك فهيئوا حوالي سبعين ألف جندي لهذه المعركة بقيادة القائد السير أرشيبالد موريsir Archibald Murray   فقام هذا القائد بمد سكة حديد وأنابيب مياه في الصحراء وتحصن كل الفريقان، حيث أصبح الإنجليز في العريش والأتراك في غزة وحدث الصدام بينهما فقتل من الجانبين العدد الكثير. وقام الإنجليز بتغيير خطتهم وعينوا قائدا جديدا للجيوش البريطانية بدل القائد السابق ألا وهو القائد السير أدموند اللنبي. الذي استطاع بحنكته أن يعيد تنظيم صفوفه من جديد وحصل على مدد أكثر من الجند بحيث أصبحوا ما يقارب المائة ألف جندي مزودين بأحدث الأسلحة.

عندما أدرك الأتراك خطورة الوضع، عقد القادة الميدانيون اجتماعا في حلب لاتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الخطر القادم فحشدوا فرقا جديدة إلى هذه المعركة. وكانت النتيجة أن الهزيمة حاقت بالأتراك لعدم توفر موازين القوة.

الغزاة على مشارف القدس
كان اللورد اللنبي قد أتم استعداده، وحشد جيشه فأمر بالزحف على القدس، فاستولى بادي ذي بدء، على بئر السبع في 13 تشرين أول 1917م  ثم على غزة في 7 تشرين ثاني 1917م والرملة ويافا في 16 تشرين ثاني 1917م ومن الرملة سار في الطريق نفسها التي سلكها قبلة الآشوريون والرومان والصليبيون نحو الجبال في طريق وعرة المسالك. فسارت بعض كتائبه على طريق اللطرون – باب الواد في اتجاه سريس وقرية العنب. والبعض الآخر على طريق اللطرون - رام الله. في اتجاه بيت لقيا وبيت عور. وهناك كتائب أمرت بأن ترابط على طريق بئر السبع – الخليل لمجابهة الطوارئ في ذلك القطاع. أما سريس فقد احتلها الإنجليز في 20 تشرين ثاني 1917م وكذلك قل عن قرية العنب التي دخلوها في اليوم التالي، وما هو يوم أو  بعض يوم حتى كانت إحدى الكتائب قد احتلت قرية النبي صموئيل، تلك القرية المسيطرة على قطاع القدس بسبب ارتفاعها ومناعة موقعها، وكانت هذه القرية ما برحت حتى يومنا هذا، في نظر العسكريين بمثابة مفتاح القدس، ولكن الإنجليز لم يستطيعوا أن يتقدموا بعد ذلك شبرا واحدا، بسب عناد الأتراك في هذا القطاع، وتغلبهم على فرقة من فرسان الإنجليز كانت تحاول شق طريقها نحو بيتونيا، وقد ارتدت هذه الفرقة إلى بيت عور الفوقا ثم عادت وارتدت هي والفرق الأخرى إلى الوراء.

غير أن الإنجليز غيّروا خطتهم فقووا كتائبهم، وارتكب الأتراك خطأ كبيرا حيث قاموا بمهاجمة الإنجليز مما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة بينهم. وزحف الجيش الإنجليزي صوب القدس واقترب منها وتمركز في  ثلاث جبهات لمهاجمتها وصب جام مدافعه عليها من الجنوب والغرب والشمال، فأيقن الأتراك أن القدس ساقطة بأيدي الأعداء لا محالة وأنهم خسروا المعركة وانسحبوا من القدس


وعد بلفور
وفي كانون الأول 1916م عندما تولى لويد جورج رئاسة الوزراء وآرثر بلفور وزارة الخارجية وكانا من الصهيونيين البارزين اعتبرت الاجتماعات الرسمية بين الصهيونيين وبين المسؤولين البريطانيين بمثابة مفاوضات جدية أدت بالنتيجة إلى التزام بريطانيا بتحقيق حلم الصهيونية في إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين. وقد عجل في إعلان السياسة البريطانية بشأن فلسطين حدثان

1. دخول أميركا الحرب في نيسان سنة 1917م.
2. إقبال الشبان اليهود في روسيا إثر ثورة شباط الروسية 1917م على الانخراط في صفوف الحزب الشيوعي (البلشفي) بقيادة لينين الذي وقف ضد استمرار روسيا في الحرب مما دفع الجنرال ماكدونف قائد المخابرات البريطانية إلى طلب الإسراع في إعلان فلسطين وطنا قوميا لليهود لكي يتجه الشباب اليهودي نحو العقيدة الصهيونية الرجعية الموالية للاستعمار عوضا عن الانخراط في الأحزاب الثورية المعادية لبريطانيا. وقد تضمنت شهادة الزواج غير المقدس بين بريطانيا والصهيونية صيغة رسالة بعث بها آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني الذي عمل بحماس لصالح الصهيونية، إلى اللورد روتشيلد الثري الصهيوني المعروف، فيما يلي نصها:

"إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أفضل مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليا أنه لن يسمح بأي إجراء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها المجتمعات غير اليهودية القائمة في فلسطين، ولا بالحقوق أو بالمركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

ويعتبر وعد بلفور من أغرب الوثائق الدولية في التاريخ، إذ منحت بموجبه دولة استعمارية أرضا لا تملكها (فلسطين) إلى جماعة لا تستحقها (الصهاينة) على حساب من يملكها ويستحقها (الشعب العربي الفلسطيني) مما أدى إلى اغتصاب وطن وتشريد شعب بكاملة على نحو لا سابق له في التاريخ. ومما يسترعي الانتباه أن بريطانيا أقدمت على هذه الجريمة قبل أن تصل جيوشها إلى القدس، بل في الوقت الذي كانت تتقدم فيه الجيوش بفضل مساعدة "حلفائها" العرب وبفضل تضحيات شعب فلسطين الذي كان يناضل في سبيل الحرية والاستقلال.
كان رد فعل العرب على وعد بلفور عنيفا، حيث كتب الكولونيل ديديس الذي كان تابعا للبعثة العسكرية المصرية تقريرا قال فيه "إن نبأ تصريح بلفور فيما يتعلق بفلسطين جديد على القدس. وقد أحدث قدرا غير ضئيل من المخاوف بين العناصر التي بلغني أنها تحاول مقابلتي. وفي غضون الأسبوع نفسه رفع ديديس تقريرا يصف فيه توتر العلاقات بين العرب واليهود في فلسطين نتيجة للتصريح، وقال إن المستعمرين اليهود يعلنون عن رغبتهم بأن يصبحوا في حالة اكتفاء ذاتي دون حاجة إلى اليد العاملة العربية ويلاحظ كذلك من حين لآخر ظهور بالعداء للعرب يبادلهم هؤلاء مثله".زاد هذا الشعور في الآونة الأخيرة حّدة. كما هو معلوم بسبب إعلان وعد بلفور. هذا الوعد قد واجه معارضة من أهل البلاد على السواء مسيحيين ومسلمين.

للقدس أهمية خاصة في الميزان الاستراتيجي ومعركة فاصلة بين المتحاربين. فقد تبع  الإنجليز الجيوش التركية حتى ضواحي مدينة القدس. فانسحب الأتراك من مواقعهم وتوجه قسم منهم شمالا صوب نابلس والقسم الآخر إلى جهة الشرق صوب أريحا.
كان يخيم على المدينة سحب قاتمة من الرهبة والسكون، فدخلها الإنجليز الساعة  العاشرة والنصف صباح يوم الأحد 9 كانون أول سنة1917م عن طريق الشيخ بدر الكائن في الجهة الغربية للمدينة ونصبوا عمودا في هذا الموقع تحيط به حديقة وقد كتب على هذا العمود اسم القائد أللنبي وتاريخ دخول الإنجليز القدس.

وهكذا فقد قضي على الحكم العثماني في القدس الذي استمر أربعة قرون، ولا يعني هذا الأمر القضاء على النظام فقط بل يعني أيضا هدم الخلافة الإسلامية منذ عهد الفتوحات الإسلامية باستثناء فترة الاحتلال الصليبي للقدس التي دامت 88عاما.

القدس تحت الإدارة البريطانية

دام الحكم العثماني للقدس وبقية ديار العرب مدة تربو على أربعة قرون، حيث بدأ هذا الحكم عام1516م وانتهى عام 1917م حيث دخلت هذه البلاد في مرحلة جديدة من الاحتلال البغيض الذي غيّر لونه وتنكر لجميع العهود والمواثيق التي أبرمها مع الشريف حسين وقد أفرز هذا الاحتلال اتفاقية سيكس بيكو التي تم فيها تقسيم الوطن العربي بين فرنسا وبريطانيا، كما زاد الطين بله ذلك الوعد البغيض الذي فرضه الاحتلال البريطاني على فلسطين ألا وهو وعد بلفور الذي منح الحق لمن ليس له الحق في امتلاك أرض فلسطين وطرد أهلها منها في بقاع الأرض.
بسط الإنجليز نفوذهم على هذه البلاد حيث كان هناك زواجا غير شرعي بين الصهيونية العالمية والاستعمار البريطاني على أرض فلسطين. فأخذوا يديرون هذه البلاد وفق سياستهم التي رسموها وذلك بالضغط على سكانها العرب وسلبهم جميع حقوقهم المدنية والشرعية لتفريغ هذه البلاد من أصحابها الشرعيين، وإعطاء اليهود جميع الامتيازات والتسهيلات وإغداق الأموال عليهم وفتح جميع الأبواب للهجرة اليهودية وتكريس الاستيطان في فلسطين...
كانت الإدارة العسكرية في فلسطين بشكل عام وفي القدس بشكل خاص عبارة عن هيئة عسكرية تعمل تحت مدير عام يتلقى أوامره من القائد الأعلى اللورد (اللنبي).
خلال هذه الفترة بدأت تظهر على السطح أطماع الصهاينة ضد فلسطين بعامة والقدس بخاصة، بحيث استأثر اليهود وتحت إشراف الإنجليز بجميع المواقع الحساسة المالية والإدارية وغيرها. وقد توالى على إدارة القدس إدارتان:
أولا : الإدارة البريطانية العسكرية
تم تعيين حاكم عسكري بريطاني وهو الجنرال بيل بورتون Bill  Borton  وتبعه عدد من الحكام الإنجليز الذين تم تعيينهم من قبل الحكومة البريطانية حيث نهجوا جميعا نفس السياسة المعادية للشعب الفلسطيني والمتقربة من الصهيونية العالمية حيث كان الفلسطينيون والعرب أجمع يتوقعون أنهم سيحكمون أنفسهم وأنهم سينالون الحرية التي وعدوا بها بعد أن انضموا إلى الحلفاء ضد الأتراك بيد أن الحلفاء قد غدروا بهم وأقاموا على هذه البلاد حكاما منهم واستأثروا بخيرات البلاد والعباد وراحوا يسومون الناس الهوان ويفرضون عليهم الضرائب الباهظة ويعاملونهم أسوأ معاملة.

الفلسطينيون  يتصدون للمؤامرة

ساد الناس شعور بعدم الرضا بتصرف الإنجليز المتعاطفين مع الصهاينة. ومن هنا بدأ الشعب العربي الفلسطيني يهيئ نفسه للثورة والعصيان ومقاومة الاحتلال البريطاني الصهيوني الجديد الذي ما كانوا يتوقعونه. حيث كانت مقاومة الفلسطينيين لهذا الواقع الجديد على عدة أشكال منها:

أولا: رسائل الاحتجاجات.
لم يستكن الفلسطينيون بشكل عام وأهالي بيت المقدس بشكل خاص - حيث أن القدس هي مركز القيادة للشعب الفلسطيني- وأهلها هم رواد المقاومة ضد إجراءات الاحتلال التعسفية، فعندما لاحظوا ما تقوم به سلطات الاحتلال من تهويد للبلاد وما تمنحه هذه السلطات من عهود ووعود ومواثيق للجانب اليهودي مهملة الجانب العربي، محملة هذا الجانب الأسباب والوسائل المؤدية إلى زيادة التغلغل الصهيوني.
قام المواطنون يترأسهم القادة والزعماء من أبناء هذا الشعب بكتابة العرائض والاحتجاجات، فأخذوا يمطرون الحكام الإنجليز بهذه العرائض مستنكرين فيها هذا التدخل السافر والإجراءات المؤدية إلى تهويد البلاد، فعمّ البلاد موجة من السخط والتذمر، انتقلت فيه المنطقة إلى مرحلة جديدة من المقاومة التي أفضت إلى إعلان المظاهرات العنيفة.

ثانيا:المظاهرات.
بدأت المظاهرات الصاخبة في القدس وفي غيرها من المدن الفلسطينية وتحولت هذه المظاهرات في بعض الأحيان إلى اضطرابات دموية وتشكلت الجمعيات العربية في المدن الفلسطينية وأخذت تنادي بالثورة والعصيان على الحكومة البريطانية مما أدى إلى تشكيل لجنة أمريكية بعث بها مجلس الحلفاء الأعلى لدراسة حالة السكان فلم تشترك كل من بريطانيا وفرنسا في هذه اللجنة لأن مبدأ الاستفتاء يتعارض مع معاهدة سيكس بيكو. بيد أن هذه اللجنة خرجت بقرارات مفادها، أن أهل البلاد مجمعين على إلغاء وعد بلفور ورفض كل من الحركة الصهيونية والاحتلال البريطاني وطالبوا بانضمام فلسطين إلى الوحدة العربية السورية وإذا لم تتحقق لهم مطالبهم فلتكن الدولة المنتدبة على فلسطين أمريكا وليست بريطانيا التي منحت اليهود وعد بلفور.

تزعزعت الثقة ببريطانيا المحتلة حيث ورد خبر إلى أهل البلاد مفاده أن الحلفاء ينوون فرض الانتداب على فلسطين وأن الدولة المنتدبة هي بريطانيا  حاضنة الصهيونية وصاحبة قرار وعد بلفور المشؤوم.
اشترك في هذه المظاهرات جميع أطياف الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين رجالا ونساء وأطفالا، فهب الشعب كله هبة رجل واحد بلا استثناء. وكانت المطالب التي أعلنوها.

• رفض الانتداب البريطاني على فلسطين.
• وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
• وقف بيع الأراضي وتسريبها إلى اليهود، لاسيما بعد أن تم بيع أراضي مرج بن عامر على أيدي عائلة سرسق اللبنانية المسيحية لليهود، وسريان هذا الخبر بين الأوساط الفلسطينية.

كان نتيجة هذه المظاهرات الاحتجاجية السلمية أن وقف الجيش البريطاني في وجه المتظاهرين، ورفع السلاح في وجوههم مما أدى إلى استشهاد عدد غير قليل من أبناء الشعب الفلسطيني وجرح الكثيرين منه وزج قسم كبير منهم في غياهب السجون.

ثالثا:الكفاح المسلح.
فقد أخذ الفلسطينيون بسبب الخطر الصهيوني الذي يهدد كيانهم إقامة مؤسسات اجتماعية وثقافية وسياسية في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية. ففي غضون شهر حزيران من عام 1918م تأسس النادي العربي برعاية الحاج أمين الحسيني أخي المفتي كامل، والجمعية الإسلامية، ونادي الإخاء والعفاف ومنتدى آل الدجاني وجمعية "الفدائية" والمنتدى الأدبي. وجمعية الفدائية هي هيئة فدائية سرية كانت تضم عددا من رجال البوليس والدرك ومن زعمائها جودة الحلبي الذي ألقى في أحد الاجتماعات خطابا كشف فيه النقاب عن استعداد أعضاء الجمعية للعمل ضد التحالف الإنجليزي الصهيوني.

ومما تناولته نشاطات هذه الجمعيات: تسليح الأعضاء بالأسلحة الخفيفة وبث الدعاية بين بدو شرق الأردن وبذل الجهد لتركيز الضباط الفلسطينيين في عمان حتى يكونوا على أهبة الاستعداد إذا أعلنت سياسة موالية للصهيونية، ثم تعليم عدد من الشبان اللغة العبرية لمتابعة ما ينشر ويقال في الصحف اليهودية، وتشرب الأطفال مبادئ الوحدة العربية لاسيما طلاب مدرستي الرشيدية وروضة المعارف، وكرّس عدد من شبان القدس أنفسهم لبعث الحياة في اللغة والأدب العربيين. تشكلت في القدس ويافا جمعية إسلامية مسيحية يهدف برنامجها إلى مقاومة السيطرة اليهودية ومكافحة النفوذ اليهودي والحيلولة بجميع الوسائل الممكنة دون شراء اليهود للأرض.

يصف وايزمن نشاطات المؤسسات العربية الفلسطينية في كل من القدس ويافا بقوله "كانوا يوفدون أحيانا رسلا إلى القرى لإثارة الفلاحين ضد اليهود، وتحاول هذه الجمعيات كذلك تنظيم الإرهابيين والمؤسسات السرية كي تقوم  فيما بعد بحرب عصابات ضد اليهود. وقد انخرط قسم كبير منهم في صفوف رجال البوليس حتى يسهل عليهم تنفيذ مهامهم، كما أن الكثير منهم شباب متعلمون درسوا في أووربا وبعضهم يعرف القضية معرفة تامة".

واصل المقدسيون مقاومتهم للمخططات الاستعمارية الصهيونية وذلك بالمظاهرات والاحتجاجات، وهدد المحتلون باتخاذ أقسى العقوبات بحقهم، بيد أنه لم ترهبهم هذه التهديدات، وكان نتيجة ذلك أن قامت أول تظاهرة عربية صاخبة بقيادة موسى كاظم الحسيني رئيس بلدية القدس آنذاك. فقدم في نهاية المظاهرات الصاخبة احتجاجا إلى كل من حكومتي بريطانيا وأمريكا على الإجراءات التعسفية بحق شعب فلسطين.
أدرك المحتلون خطورة الوضع, وأرادوا أن يلطفوا الأجواء فأصدر الحاكم البريطاني في القدس وثيقة مؤرخة في 7/11/ 1918م وزعت على الجمعيات الإسلامية والمسيحية في القدس وهذا نصها. "إن الغرض الذي ترمي إليه فرنسا وبريطانيا العظمى بمواصلتهما في الشرق الأوسط من تلك الحرب التي أثارها الطمع الألماني، هو تحرير الشعوب التي طالما ظلمها الترك تحريرا نهائيا وتأسيس حكومات ومصالح أهليه تبنى سلطتها على اختيار الأهالي الوطنيين لها اختيارا حرا وقيامهم بذلك من تلقاء أنفسهم، وتنفيذا لهذه النيات قد وقع الاتفاق على تشجيع العمل على تأسيس حكومات ومصالح أهلية في سوريا والعراق اللتين أتم الحلفاء تحريرهما وفي البلاد التي يواصلون العمل  لتحريرها وعلى مساعدة هذه الهيئات والاعتراف بها عند تأسيسها فعلا. والحلفاء بعيدون على أن يرغموا سكان هذه الجهات على قبول نظام معين من الأنظمة، وإنما همهم أن يحققوا بعونهم ومساعدتهم النافعة حركة الحكومة والمصالح التي ينشئها الأهالي لأنفسهم مختارين حركة منظمة وأن يضمنوا لها قضاء عادلا واحدا للجميع وأن يسهلوا انتشار العلم في البلاد وتقدمها اقتصاديا وذلك بتحريك همم الأهالي وتشجيعها وأن يزيلوا الخلاف والتفريق الذي طالما استخدمته السياسة التركية، وذلك مما أخذته الحكومتان الحليفتان على نفسيهما من مسؤولية القيام به في البلاد المحررة"

كان هذا البيان بمثابة رش الرماد في العيون، وكما هو معلوم بأن السياسة البريطانية طيلة حياتها قد اعتمدت على المراوغة وخداع الشعوب - وهذا معلوم بالطبع لدى الجميع - فلم تتمسك الحكومة البريطانية بهذا البيان لا نصا ولا روحا، بيد أن الفلسطينيين وعلى الرغم مما كانوا يكابدونه من سياسة قمعية تجاههم من المحتلين إلا أنهم شكلوا وفدا إسلاميا مسيحيا من أهالي القدس وتوجهوا إلى الحاكم البريطاني وشكروه على ما جاء في هذا الإعلان، وقد طمأن الحاكم الشاكرين بقوله "إن لأهل فلسطين التي هي قسم من سورية الحرة الكبرى في أن يختاروا الحاكم الذي يريدونه"

تم عقد مؤتمر وطني ضم هيئات إسلامية ومسيحية في شهري كانون الثاني وشباط عام 1919م في القدس تألف من 27 عضوا من جميع أنحاء البلاد واختار المؤتمر السيد عارف الداودي الدجاني رئيساً وكل من عزة دروزه ويوسف العيسى رئيس تحرير جريدة فلسطين أعضاء بارزين في هذا المؤتمر. وأوفد هذا المؤتمر أعضاء منه لمقابلة إخوانهم في سوريا باعتبار أن فلسطين هي جزء من سوريا الكبرى.
تألفت لجنة تدعى لجنة كنغ – كرين King – Crane  لدراسة الأوضاع، فقامت بما أوكل إليها وأبرقت في 20 / 6 /1919م برقية إلى ويلسون قالت فيها "إن عرب فلسطين من مسلمين ومسيحيين متحدون في جبهة واحدة في معارضة واحدة لا تقبل جدلا ولا تساؤلا ضد الهجرة اليهودية وضد إنشاء وطن قومي لليهود، كما  جاء في وعد بلفور. والكل هنا من أمريكان وإنجليز مقتنعون بأن، سياسة بلفورلا يمكن أن تنفذ إلا بقوة السلاح"

بدا التوجه نحو قيام سورية الكبرى أي الشمالية وسوريا الجنوبية (فلسطين) تجسيدا لروح الوحدة وانضمام فلسطين إلى سوريا، فقد أسس حسن البديري وعارف العارف صحيفة(سوريا الجنوبية).
أدركت الصهيونية العالمية وحلفائها من الدول الاستعمارية، أن أهالي فلسطين مقبلون على تأسيس نواة للوحدة والاندماج مع بقية الوطن العربي الكبير، فأوعزت بتاريخ 20/2/1920م إلى الجنرال بولز مدير عام (إدارة بلاد العدو الجنوبية – فلسطين) إلى عقد اجتماع لرؤساء الطوائف وأعيان البلاد في القدس حيث تلا عليهم قرار الحلفاء بانتداب دولة فلسطين وإدماج وعد بلفور القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في صك الانتداب"

2- القدس  وثورة 1920م
كان الفلسطينيون ينظمون احتفالات النبي موسى كل عام في فصل الربيع فيجتمع جميع أبناء الوطن من الشمال والجنوب والشرق والغرب في القدس ويتوجهون في احتفال مهيب يرفعون الرايات ويهللون وينشدون الأناشيد الدينية والوطنية إلى مقام النبي موسى في غور الأردن، وكان هذا تقليد منذ عهد صلاح الدين دأب الناس على إجراءه لشحذ همم المسلمين ورفع معنوياتهم ضد المحتلين في العهد الصليبي، وقد نشط الفلسطينيون لإحيائه في مطلع القرن العشرين للرد على العدوان الحاصل على بلادهم فيلقون فيه الخطب الحماسية ويتدارسون قضاياهم المصيرية.

عندما حضر بيرق الخليل واجتاز بوابة يافا (الخليل) حيث كان هذا اليوم يصادف عيد الفصح لدى النصارى والأعياد لدى اليهود وموسم النبي موسى لدى المسلمين. وفي يوم الأحد الموافق 4 نيسان 1920م  هرع أبناء بيت المقدس لاستقبال القادمين حيث ألقيت الخطب الحماسية التي انتهزت هذه المناسبة احتجاجا على السياسة البريطانية الصهيونية وتوقفت الجماهير أكثر من مرة للاستماع إلى الخطب التي ألقاها كل من عارف العارف وموسى كاظم الحسيني رئيس البلدية والحاج أمين الحسيني وغيرهم من الشخصيات الإسلامية البارزة حيث كانت خطبهم ذات طابع سياسي مكشوف بلغت ذروتها في رفع صورة للأمير فيصل وتحيته بوصفه "ملكا لسوريا وفلسطين" وكانت الأعصاب قد وصلت في الموقف إلى أعلى درجات الانفعال، حيث تجسدت في هذا الاحتفال الكبير مشاعر الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني فاشترك المسيحيون فيها واشتركوا في الموكب داعين إلى الوحدة العربية والاستقلال ومعلنين معارضتهم للهجرة الصهيونية. وفي أثناء هذه الهيجان وقع انفجار لغم أودى بحياة بعض الأشخاص من الطرفين، مما زاد في تأجيج روح المواجهة بين الطرفين العربي واليهودي في هذا الموقع، فقذفت الحوانيت المجاورة بالحجارة واستعملت الأسلحة النارية من قبل الطرفين حيث استمرت أعمال العنف بين الطرفين من 4 نيسان لغاية العاشر منه على الرغم من إعلان الأحكام العرفية، حيث بلغت مجموع الإصابات من اليهود خمس وفيات و18 إصابة خطيرة و 193 إصابة بسيطة، أما إصابات العرب فقد بلغت 4 شهداء و28 جريحا كما جرح سبعة جنود بريطانيين،  ليس مستغربا أن يكون المسبب لهذا الانفجار هم الإنجليز وهم سبب البلاء ليصبوا البنزين على النار.

ثانيا :الإدارة المدنية البريطانية :

قامت الحكومة البريطانية وبإصرار منها على تحدي جميع المشاعر العربية الفلسطينية فداست على جميع العهود والمواثيق التي قطعتها مع العرب قبل الحرب العالمية الأولى فعملت على تجسيد مشاعر الصهاينة وسارت قدما في تنفيذ سياستها الرامية إلى تهويد فلسطين، فلم تكتف بإدارة المدينة التي فرضتها على البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى بل قامت بتعيين من هو أشد تحمسا بل تجذرا في الحركة الصهيونية وأكثر حماسا لهذه الفكرة ألا وهو الإنجليزي الصهيوني هربرت صموئيل بتاريخ1 تموز 1920م مندوبا ساميا على فلسطين، وعندما دخل القدس كانت تحرسه الدبابات وسلاح الجو البريطاني والذي قيل عنه في هذا الموقف عن الحراسات التي كانت تحيط به لم تتوفر مثلها في أرض المعركة في منطقة غزة بين الأتراك والإنجليز، ولهذا فإن هذا الصهيوني قدم على جناح دبابة ليرهب العباد وينفذ الخطط التي رسمتها له الحركة الصهيونية بمباركة من الحكومة البريطانية.

قد جاء تعيين هذا المندوب لأمر هام، ألا وهو تنفيذ وعد بلفور وليساعد اليهود على بناء وطن قومي لهم في فلسطين، وعلى قيام الدولة اليهودية والكيان الصهيوني الذي سيحل محل الحكومة البريطانية في فلسطين بعد انتهاء فترة الانتداب. ومن الجدير بالذكر أن الحركة الصهيونية هي التي ضغطت على الحكومة البريطانية وألزمتها بتعيين هذا الصهيوني اليهودي الإنجليزي المتطرف في منصبه قبل أن تعهد عصبة الأمم للحكومة البريطانية بتوقيع معاهدة الصلح مع الدولة التركية من جهة وقبل أن تقر عصبة الأمم انتداب بريطانيا على فلسطين.
كانت سياسة هذا الصهيوني المتطرف واضحة للعيان ومعروف الهدف الذي جاء من أجله ومع هذا، فإنه كان يتظاهر بأنه معتدل وأنه سيقف على الحياد بين العرب واليهود، وأنه لا يبغي سوى خير الفريقين. ولكي يتقرب من العرب عفا عن المحكوم عليهم كلهم خلا عارف العارف والحاج أمين الحسيني، فإنه كما قال في بيانه الذي أذاعه على الناس يوم هبط البلاد رأى ألا يعفو عنهما إلا إذا سلما نفسيهما للعدالة البريطانية. وكانا بعيدين عن متناول السلطة فلم يأبها لقوله، ولم يستسلما وراحا يضاعفان من جهدهم لخدمة قومهم وبلادهم، ثم عاد فعفا عنهما دون قيد أو شرط.

هذه فترة  الحكم العسكري البريطاني على فلسطين التي شهدت بداية الهيجان وتكشفت النوايا ضد أبناء هذا الشعب الذي حكم عليه أن يغادر أرضه ودياره ليسلمها الإنجليز لقمة سائغة لليهود، ومع هذا فإن أهل البلاد الفلسطينيين لم يهنوا ولم يستكينوا ولم يرضخوا للأمر الواقع بل ثاروا منذ اللحظات الأولى على الاستعمار وأعوانه وأعلنوا العصيان وقاموا بكل ما أوتوا من قوة بمقاومة الدخيل. وللقدس في هذا نصيبها الأوفر فهي حاضرة البلاد وهي المستهدفة أولاً وأخيرا فكانت هي المدينة التي تقود الثورات وتتصدر المقاومة. وهذا قدر أهل القدس العرب على مدى تاريخهم!.

لكل ما تقدم فإنه يجب ألا يغيب عن بالنا بأن الشعب الفلسطيني قد تنبه وللوهلة الأولى من الاحتلال الاستعماري لبلاده بأن ناقوس الخطر يدق أبوابه وقد عمل وبجميع إمكانياته المتواضعة والمحظور عليه أن يظهرها في مقاومة أطماع المحتلين.
مما هو جدير بالذكر بأن حكومة الانتداب البريطاني قامت بتأسيس جمعية تسمى "جمعية محبي القدس" وكان من أهداف هذه الجمعية تحسين الوجه الحضاري والأثري لمدينة القدس حيث تم استقدام مهندس بريطاني من أجل الإشراف على البناء في هذه المدينة، بيد أن الأمر أصبح مكشوفا لأبناء المدينة العرب، إذ أن الهدف من هذا الإجراء كان لإفهام العالم الخارجي بأن سكان القدس راضون عن هذا الحكم. فزادت المعارضة لهذا الإجراء. مما دفع الحكومة البريطانية إلى إرضاء الناس وذلك بتشكيل المجلس الاستشاري الذي ضم عددا من أبناء البلاد. إلا أنهم عادوا فأعلنوا عدولهم عن هذا المجلس. سرت روح الحركة النضالية إلى أنحاء متفرقة من البلاد، فآزرت يافا القدس في هذا الموقف حيث حدثت اضطرابات شديدة بين السكان العرب واليهود في منطقة يافا وتولى الجيش البريطاني الدفاع عن اليهود فقام بقتل عدد كبير من أبناء مدينة يافا  العرب.

كانت الأحداث نتيجة حتمية لموقف بريطانيا المناصر لليهود في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين والضغط على العرب بجميع الوسائل وتجريدهم من السلاح وإفقار الفلاحين لدفعهم لبيع أراضيهم من أجل الهجرة وتوطين اليهود مكانهم. وبذر عناصر التفرقة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، واستبدال رئيس بلدية القدس كاظم بالحسيني بالسيد راغب النشاشيبي وأخذ كل من أبناء هذا العائلات العريقة في القدس يستقطب حوله الناس فدب الصراع بين هذه الفئات وانقسم الناس إلى مؤيد ومعارض لسياسة كل منهما. وهذه سياسة بريطانيا المعلنة ألا وهي "سياسة فرق تسد".

ففي غمرة هذه الأحداث والضغوط المتتالية على الفلسطينيين بجميع الوسائل كان على النقيض منها المد الصهيوني المدعوم من الكيان البريطاني والإمبريالية العالمية بلا حدود، فقد وضعت بريطانيا العظمى جميع إمكانياتها وسخرت كل قدراتها من أجل الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإنشاء المستوطنات اليهودية فيها والضغط على السكان الأصليين العرب فيها من أجل ترحيلهم وإخلاء هذه البلاد وجعلها لقمة سائغة للمحتلين.

المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى

عندما دخلت القوات البريطانية فلسطين استولت على جميع المؤسسات والدوائر الرسمية التي تركتها الحكومة العثمانية، ولهذا كانت الأوقاف والمحاكم الشرعية الإسلامية تدار من قبل الحكومة البريطانية وكان يديرها الصهيوني اليهودي المستشار القضائي المستر بنتويش الذي أغضب المسلمين بسوء تصرفاته تجاه المقدسات الإسلامية. ولهذا توجه المسلمون بالمطالبة بإيجاد إدارة إسلامية بحتة، لتتولى أمر المحاكم الشرعية والإشراف على الأوقاف الإسلامية حيث عقد مؤتمر في القدس بتاريخ 9تشرين الثاني 1921م ضم المفتيين والقضاة والعلماء في فلسطين حيث قرروا تأسيس مجلس شرعي إسلامي أعلى يتولى جميع الشؤون الإسلامية في فلسطين، وقد تقدم هذا المجلس بطلب إلى الحكومة البريطانية فوافقت على تشكيله وصدر نظام تأسيسه في الجريدة الرسمية في 12آذار 1921م نظام نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 أيار 1921م بالموافقة على هذا التشكيل.

تم تشكيل المجلس من رئيس العلماء الفلسطينيين وعضوين من القدس وعضو من لواء نابلس وآخر من لواء عكا. واشترطوا أن يكون انتخاب الأعضاء بواسطة المنتخبين الثانويين الذين ينتخبون من قبل الأهالي. وقد تم تأليف المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الأول من المفتي الحاج أمين الحسيني رئيسا وعضوية  كل من الحاج سعيد الشوا من غزة وعبد الله الدجاني من يافا والشيخ محمد مراد من حيفا وعبد اللطيف صلاح من نابلس.

تشكيلات المجلس الإسلامي عبر دوراته المتعاقبة

كان المجلس الإسلامي مؤلفا من الرئيس والأعضاء السابقين، ولكن جرى على هذا المجلس تعديلات وتغييرات على رئاسة وعضوية الأعضاء كما هو مبين.
تم استبدال السيد أمين التميمي من نابلس بدل السيد عبد اللطيف صلاح. تم تعيين الشيخ محي الدين عبد الشافي من غزة مكان السيد الحاج سعيد الشوا. تم تعيين  السيد عبد الرحمن التاجي من الرملة مكان السيد عبد الله الدجاني الذي انتقل إلى رحمته تعالى. ولما توفي الشيخ محمد مراد حل مكانه أمين عبد الهادي. ولما أقيل أمين عبد الهادي (نابلس) حل مكانه كمال إسماعيل (عنبتا). وحل الشيخ يوسف طهبوب (الخليل) مكان عبد الرحمن التاجي.
تشتت المجلس الإسلامي إبّان الثورة العربية الفلسطينية عام 1936 م/ 1938 م، حيث حاول الإنجليز إلقاء القبض على سماحة الشيخ أمين الحسيني وقد التجأ إلى المسجد الأقصى المبارك ولم يعثر عليه حيث التجأ إلى لبنان وبقي هناك حتى توفاه الله. كما نفي التميمي إلى سيشل.  في عام 1937م عينت الحكومة أمين عبد الهادي، والشيخ كمال إسماعيل، والشيخ محي الدين عبد الهادي، والشيخ يوسف طهبوب لإدارة المجلس.

قيت هذه التشكيلة للمجلس الإسلامي حتى 1/1/1947م حيث استبدلت الحكومة البريطانية الشيخ محي الدين معبد الهادي والشيخ يوسف طهبوب بالسيدين علي حسنا (القدس) وحسن ابوالوفا الدجاني (يافا).  كانت هناك لجنة ثلاثية تسيطر على الأعمال المالية، وكانت هذه اللجنة أصلا مؤلفة من رئيس وعضوين، أحدهم مسلم والآخر مسلم وقد استبدل العضو الإنجليزي بعضو مسلم، ثم أصبحت اللجنة من ثلاثة أعضاء مسلمين.عام 1947م وهم، روحي عبد الهادي رئيسا، والشيخ توفيق الطيبي، ووصفي العنبتاوي.  وكانت نفقات المجلس الإسلامي عام 1947م /1948م   294و48  جنيها.

المؤتمرات  الفلسطينية في القدس

كان لا بد للفلسطينيين من توسيع دائرة مقاومتهم للاحتلال فعمدوا بوسائل فكرية على إذكاء روح المقاومة ونشرها بين أفراد المجتمع فكان نتيجة ذلك أن توجهوا إلى عقد اللقاءات والمؤتمرات في القدس فكان:
أولا: المؤتمر العربي الفلسطيني الرابع: بتاريخ 25 حزيران 1921م انعقد هذا المؤتمر في مدينة القدس وتم تشكيل وفد من عدد من الشخصيات الفلسطينية ترأسها موسى كاظم الحسيني رئيسا والحاج توفيق حماد وأمين التميمي ومعين الماضي وإبراهيم الشماس وشبلي الجمل أعضاء وتوجه هذا الوفد على أوروبا من أجل نشر قضيته العادلة للرأي العام الأوروبي بوجه عام والرأي العام البريطاني بوجه خاص.
كان على رأس مطالب هذا الوفد المطالبة باستقلال فلسطين والاعتراف بحق شعبها في الحياة الطبيعية والدعوة إلى ضمها إلى الوحدة العربية الكبرى وإلغاء وعد بلفور ووقف الهجرة اليهودية إليها. تصدى لمطالب هذا الوفد وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل الذي كان من أشد أنصار الصهيونية حيث اجتمع بهذا الوفد مرتين وكان موقفه من طرحهم "أن حكومة صاحب الجلالة مقيدة بعهد سابق لعهد جامعة الأمم، فما يسعها بعد أن اضطلعت بالمسؤولية عن هذه البلاد لدى دول الحلفاء الرئيسية، أن تسمح بانتشار حالة دستورية فيها، قد تجعل القيام بتنفيذ تعهد جليل صدر عنها وعن أولئك الحلفاء في حيز عدم الإمكان".
أيقن الوفد أن الحكومة البريطانية ماضية في تعهدها لليهود بإنشاء وطن قومي لهم على أرض فلسطين وعلى حساب الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني. لكن هذا الوفد وجميع المحاولات باءت بالفشل ولم يستطع هذا الوفد إقناع الحكومة البريطانية بعدالة موقفه وأصدر وثيقة فنّد فيها جميع المزاعم البريطانية التي تدعم الصهاينة، واعتبروا وعد بلفور باطل حيث أنه جاء بعد مراسلات وتوصيات وعدت بها بريطانيا الشريف حسني إبّان الحرب العالمية الأولى التي تعاون فيها العرب مع الحلفاء، وإن هذا الوعد مناف لجميع ما تم الاتفاق عليه وعلى حكومة الانتداب البريطاني أن تعترف باستقلال فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني.
ازداد الضغط على سياسة بريطانيا الموالية لليهود فأصدر رئيس وزراء بريطانيا الكتاب الأبيض عام 1922 حيث جاء فيه "إن وعد بلفور الذي تعتزم الحومة البريطانية التقيد به، لا يهدف إلى إخضاع السكان العرب أو الثقافة العربية، ولكن اليهود موجودون في فلسطين بدافع من الحق وليس التسامح، وسيكون في وسعهم أن يزيدوا عددهم من خلال الهجرة شريطة ألا يتعارض ذلك مع الطاقة الاستيعابية الاقتصادية للبلاد". وأعلن الكتاب الأبيض أن حكومة صاحب الجلالة البريطانية تعتزم تبني التطور التدريجي نحو الحكم الذاتي الكامل. وستنشأ في المجلس مهمة الاتفاق مع الإدارة العامة بشأن القضايا المتعلقة بتنظيم الهجرة. على أنه في حال قيام خلافات بين اللجنة الإدارة العامة تكون الكلمة الفاصلة لحكومة صاحب الجلالة البريطانية".
ثانيا: المؤتمر العربي الفلسطيني الخامس: أخذت حدة التوتر تتوسع بين الحكومة البريطانية التي تبنت المشروع الصهيوني والشعب الفلسطيني الذي أيقن بجدّية أن الحكومة البريطانية ماضية في تنفيذ سياستها الرامية إلى تحويل فلسطين وطنا قوميا لليهود و طمس حقوق الشعب الفلسطيني، فلم تتوقف هذه المرة المؤتمرات على القدس فقط بل توسعت لتصل إلى أنحاء متفرقة من البلاد حيث تم عقد المؤتمر بتاريخ 22 آب سنة1922 م واستمر حتى الخامس والعشرين من هذا الشهر، في مدينة نابلس وحضره عدد كبير من المؤتمرين وقد تم استعراض أقوال وزير المستعمرات البريطاني تشرشل وما حمله الوفد الفلسطيني في جعبته بعد عودته من أوروبا فأيقن الجميع بأن الحكومة البريطانية تماطلهم وهي ماضية في تنفيذ سياستها تجاه فلسطين. كما أوصى المؤتمر بإقامة تعاون أوثق بين عرب فلسطين وسائر العرب وذلك بتوطيد العلاقات الاقتصادية والتعليمية، كما اقترح إرسال وفود إلى الدول العربية لإبلاغهم وضع فلسطين وما آلت إليه الأوضاع والظلم الذي يتعرض له شعب فلسطين. حيث تبنى هذا المؤتمر ثمانية عشر قرارا من أهمها رفض الدستور الجديد ومقاطعة الانتخابات القادمة للمجلس التشريعي. لأن هذا المجلس في اعتقادهم يحصر السلطة كلها بيد البريطانيين وخاصة المندوب السامي. الذي يعتبر بحق الحاكم على هذه البلاد.

ثالثا: المؤتمر العربي السادس:تم عقد هذا المؤتمر في مدينة يافا بتاريخ 16/ حزيران سنة 1923حيث بادر إلى عقده موسى كاظم الحسيني حيث تم في هذا المؤتمر رفض المعاهدة الأنجلوعربية التي اعتبرت مناقضة لحقوق عرب فلسطين ومصالحهم. وقد تلى بيان هام ألقاه السيد جمال الحسيني واستعرض في خطابه الطويل الحجج القوية حيث دافع عن سياسته الرامية إلى الامتناع عن دفع الضرائب للحكومة البريطانية موضحا أن هذه الضرائب تحولها الحكومة البريطانية إلى اليهود حيث ختم بيانه مستندا إلى مبدأ "لا ضرائب بدون تمثيل" وقد خرج هذا المؤتمر بتوصيات أخرى منها، إعادة إيفاد وفد إلى الدول الأوروبية ليشرح لهذه الدول الظلم الذي حاق بالشعب الفلسطيني وقد أنتدب السيد موسى كاظم الحسيني رئيسا وعضوية كل من أمين التميمي ووديع البستاني لهذه المهمة.

لكن هذا الوفد لم يلق من الحكومة البريطانية الترحيب اللازم وامتنعت عن استقباله، وهذا يعني الإصرار الكامل من قبل هذه الحكومة على تنفيذ خطتها الرامية إلى تنفيذ وعد بلفور. وهذا ما خلص إليه هذا الوفد، ومن هذا المنطلق فقد بدأ الشعب الفلسطيني يتخذ أساليب جديدة في مقاومة الاحتلال بأشكاله.

رابعا: المؤتمر العربي الفلسطيني السابع: تم عقد هذا المؤتمر في مدينة القدس بتاريخ 20 حزيران سنة1928 م حيث ترأس هذا المؤتمر السيد موسى كاظم باشا الحسيني وشهده زهاء مائتين وخمسين شخصية من مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، وكان وضع هذا المؤتمر أكثر المؤتمرات ضعفا. لما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والسياسة التي فرضتها الحكومة على الشعب الفلسطيني، بيد أنه خرج بنتائج منها. الاحتجاج على السياسة البريطانية لإكثارها من الموظفين الإنجليز في جميع الدوائر الرسمية، والإكثار من العمال اليهود وترجيحهم على العمال العرب واستغلال أملاح البحر الميت ومنح هذه الامتيازات على شركة أجنبية.

كما أوصى المؤتمر بتشكيل لجنة تنفيذية مكونة من 48 شخصية تضم كافة الكتل والجماعات والمناطق والمصالح.

ثورة البراق

التعريف بحائط البراق: هو الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، وهو المكان المعروف لدى المسلمين بأن الرسول الكريم قد ربط البراق فيه ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك. كما أن الرصيف الذي يقف عليه اليهود للزيارة هو وقف إسلامي بموجب الصكوك المحفوظة لدى دائرة الأوقاف الإسلامية.

أبعاد حاط البراق: يبلغ طوله 156 قدما وارتفاعه 56 قدما ويبلغ طول بعض حجارته 16 قدما.
أما بالنسبة إلى اليهود فقد كانوا يقومون بزيارته في يوم الصيام التاسع من شهر آب، لاعتقادهم بأن هذا الحائط يذكرهم بزوال ملكهم كما يدعون. ومن هذا المنطلق كانوا ينحبون ويبكون عند هذا الحائط مما تعارف عليه بحائط المبكى.
اعتاد اليهود الحضور إلى هذا المكان في هذه المناسبة، وقد سمح لهم المسلمون بأن يقيموا شعائرهم ثم يعودوا من حيث أتوا دون المساس بعقيدتهم أو بهم. إذ كانوا يلتزمون الهدوء والسكينة. بيد  أنهم عندما شعروا بأن نفوذهم قد زاد أخذوا ينشبون أظفارهم ويتحدون مشاعر المسلمين.
كانت الحكومة البريطانية تؤيد الوضع الراهن (ستاتيكوStatico)  بالنسبة لجميع الأماكن المقدسة في بيت المقدس ومن جملتها مكان البراق.
استفزاز المشاعر الدينية لدى المسلمين
تعود جذور الاضطرابات التي وقعت عام 1929م إلى حادث وقع في القدس في الرابع والعشرين من أيلول عام 1928م أي يوم عيد الغفران لدى اليهود وأصبح هذا الحادث بداية لسلسة من الحوادث التي انتهت إلى الصدام عام 1929 م. كانت الشرارة التي أشعلت ذلك الحادث هي محاولة اليهود وضع ستار يفصل بين الرجال والنساء في أثناء الصلاة عند حائط البراق، حيث أمرت الحكومة البريطانية  وحفاظا على التقليد المتبع وتمشيا مع روح "الوضع الراهن" بإزالة الستارة وعندما رفض اليهود إزالة الستارة عمد البوليس البريطاني إلى إزالتها بالقوة. ولما قام البوليس بهذا الإجراء قامت قيامة اليهود فقدوا شكوى إلى جمعية الأمم، كما قام المسلمون بتقديم مذكرة حكومية ومما جاء فيها "ويعتقد المسلمون الذين عرفوا بالتجارب المرة ما تنطوي عليه صدور اليهود من المطامع التي لا حد لها في هذا الموضوع أن غايتهم هي امتلاك المسجد الأقصى تدريجيا بزعم أنه (الهيكل) مبتدئين بالجدار الغربي وهو قطعة لا تنفصل عن المسجد الأقصى المبارك".
على إثر ذلك عقد في القدس في اليوم الأول من تشرين ثاني سنة 1928 م برئاسة مفتي القدس مؤتمر إسلامي كبير حضره مندوبون من سوريا ولبنان وشرق الأردن وقد صدرت عن هذا المؤتمر توصيات احتجاج بكل قوة عل أي عمل أو محاولة ترمي إلى إحداث أي حق لليهود في مكان البراق الشريف، والطلب من الحكومة منع اليهود من وضع أي أدوات عبادة لهم في هذا المكان، وأخيرا يلقي المؤتمر تبعة ما ينتج من أحداث على عاتق الحكومة.
وفي 14 آب من نفس العام قامت تظاهرة  كبيرة في تل أبيب وتوجه عدد كبير من الشباب اليهود صوب القدس حاملين الأعلام متجهين صوب حائط البراق فنشروا العلم الإسرائيلي على الحائط ونشدوا النشيد الوطني الإسرائيلي هاتكفاه.
أثار هذا الحدث حفيظة المسلمين كثيرا، وصادف اليوم التالي أن كان يوم جمعة وذكرى المولد النبوي الشريف، وتم حشد عدد كبير من أهالي بيت المقدس ومن القرى المجاورة وتوجهوا صوب الحائط المذكور وألقى الشيخ حسن أبو السعود أحد مشايخ المسجد خطابا حماسيا ألهب عواطف الجماهير مما أدى إلى تحطيم منضدة كانت موضوعة على الرصيف وتم إحراق بعض الأوراق التي كان اليهود قد زجوها في ثقوب الحائط الروماني.
أدركت الحكومة البريطانية أن الوضع يزداد سوءا يوما تلو يوم، مما جعلها تستنفر قوات احتياطية بدبابات وعربات من شرق الأردن ومصر وركزتها في المنطقة الواقعة بين الرملة والقدس استعدادا للطوارئ.
وفي يوم الجمعة الموافق 23 آب عام1929م تدفق أعداد كبيرة من القرى المجاورة إلى القدس مسلحين بعصيهم وهراواتهم وانقضوا على اليهود مما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات بين الطرفين.
7- انتقال الاضطرابات إلى المدن الفلسطينية

عندما وصلت أنباء اضطرا بات القدس إلى نابلس والخليل وبقية أرجاء فلسطين وقطاع غزة، قامت الجماهير الغاضبة بمظاهرات صاخبة. وفي إحدى الهجمات على إحدى المدارس اليهودية في الخليل قتل يهودي واحد، وفي اليوم التالي تجددت الاشتباكات وقتل من الجانبين اليهودي والعربي ما يربو على ستين يهوديا وأربعة وخمسين عربيا وسقط عدد من الجرحى من الجانبين.(  )
وفي نفس اليوم هاجم جمهور جائح  قشلاق البوليس في نابلس من أجل الحصول على  السلاح بيد أن البوليس تصدى لهم وأطلق النار عليهم، كما وقع هجوم على اليهود في بيسان، فهاجم العرب المستعمرات اليهودية في تلك المنطقة ودمروا ست مستعمرات تدميرا كاملا كما حدث صدام في حيفا بمنطقة هادار كرمل و في المدينة القديمة بمنطقة المطاحن. أما في صفد فقد هاجم الفلسطينيون اليهود ووقع في أثناء هذا الهجوم ما يربو على 45 من اليهود بين قتيل وجريح وأضرمت النار في عدد من البيوت والحوانيت.
أما على الجانب الآخر فقد قام اليهود بالعديد من الهجمات ضد أهداف عربية فلسطينية في يافا والقدس، ففي يافا هاجم اليهود الصهاينة مسجدا وقتلوا الإمام وستة من أفراد عائلته ومثلوا بالجثث أبشع تمثيل، وفي القدس هاجموا مقام الصحابي (عكاشة) في الجهة الشمالية من مدينة القدس، كما قام اليهود بمهاجمة القبة القيمرية الأثرية حيث قاموا بهدم البناء والقبور وتمزيق وإحراق ما عثروا عليه من كتب ومصاحف قرآنية وداسوا عليها بنعالهم. وقد ثبت هذا الاعتداء في تقرير لدجنة شو في الصفحة 87. حيث ورد في هذا التقرير "وفي اليوم السادس والعشرين من شهر آب وقع هجوم من اليهود على مقام النبي عكاشة في القدس، وهو مقدس قديم الأثر له مكانة كبيرة من التقديس في نفوس المسلمين، وأصيب بتلف كبير ودنست قبور الصحابة الكائنة فيه".
كان الصدام  في المناطق التي يقطنها يهود، أي أن هناك مدنا لم يسكنها يهود،  فقد قام المواطنون وتضامنا مع إخوانهم في هذه المدن الملتهبة بالمظاهرات الصاخبة، فقامت المظاهرات في كل من عكا وجنين وطول كرم وقطاع غزة...
كان نتيجة هذه الهجمات المتبادلة بين الجانبين - وعلى إثر أحداث البراق - أن سقط عدد من القتلى من اليهود وعددهم 133 نسمة وبلغ عدد الجرحى 339 جريحا بينهم 198 إصابات بعضهم بالغة أدخلوا إلى المتشفيات جرائها، أما العرب فقد بلغ عدد قتلاهم 116 نسمه بينما بلغ عدد الجرحى 232 جريحا.
نتيجة لهذه الأحداث المؤسفة والتي أذكى نارها الإنجليز ولم يضعوا لها حدا في البداية كونهم أصحاب السلطة وإنهم الحكومة المنتدبة على فلسطين، إلا أنهم اتبعوا سياسة فرّق تسد، ومولوا الصهاينة بالسلاح، وفرضت غرامات باهظة على العرب قدرها 17840 جنيها وسيق إلى المحكمة ما يربو على1300 شخصا.
جرت المحاكمات التعسفية فحكم على 25 عربيا بالإعدام وعلى يهودي واحد فقط، وقد سعت جميع الهيئات الوطنية في البلاد لاستعاضة حكم الإعدام بالمؤبد بيد أن الحكومة البريطانية لم تستجب لجميع هذه المطالب وأصّرت على إعدام ثلاثة من الشبان العرب في سجن عكا وهم عطا الزير، ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي يوم الثلاثاء17 حزيران سنة 1930م ونفّذ فيهم الحكم داخل السجن.
لكل ما تقدم فإن هذه الأحداث  التي وقعت عام 1929 كانت بسبب حائط البراق، ولهذا فقد أوصت لجنة شو البرلمانية بتعيين لجنة دولية لتعيين ما لكل من الفريقين من حقوق في هذا الحائط، وعلى إثر ذلك ألفت لجنة الانتدابات في عصبة الأمم لجنة دولية مؤلفة من سويدي رئيسا وسويسري وهولندي، وصلت اللجنة إلى القدس في صيف 1930، وبعد أن استمعت للطرفين المتنازعين قدمت تقريرها بالإجماع في نهاية 1930 ومما جاء فيه "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير. يمنع جلب أية خيمة أو ستار أو ما شابههما من الأدوات إلى الحائط لوضعها هناك ولو كان ذلك لمدة محدودة"
دور المرآة الفلسطينية في المعترك النضالي
تم تشكيل نواة لتنظيم فلسطيني مسلح وعدد أفراده 400 عنصر وسرت هذه الأفكار بين جميع فئات الشعب من رجال وطلاب فبادرت النساء الفلسطينيات إلى عقد مؤتمر نسائي في 26 من شهر تشرين الأول سنة 1929م وحضر المؤتمر أكثر من مائتي مندوبة مسلمة ومسيحية في القدس ينتمين إلى مختلف أنحاء البلاد، وكانت معظم المشتركات ينتمين إلى الأسر الفلسطينية البارزة وأبرزهن زوجات الزعماء السياسيين، وتم انتخاب عقيلة موسى كاظم الحسيني رئيسة لهذا المؤتمر. "اعتبرت العديدات من المندوبات اللواتي ألقين خطبا في المؤتمر أن صك الانتداب كما تطبقه الإدارة العامة في فلسطين هو وحده المسؤول عن كل ما جرى من الأحداث كما أنهن دعون بحماس إلى القيام بحركة قومية عامة لتوحيد جهود جميع المنظمات النسائية في فلسطين، كما رفضت مقررات المؤتمر تصريح بلفور والهجرة اليهودية ودعت إلى إقامة حكومة وطنية تكون مسؤولية أمام مجلس تمثيلي كما حثت على تنمية وتطوير صناعات وطنية"
إذن فالمرأة الفلسطينية وصلت من الوعي والنضج السياسي والفكري ما أهلها أن تخوض المعترك السياسي جنبا إلى جنب مع الرجل، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على ما وصلت إليه العقلية الفلسطينية على جميع المستويات وعلى روح المقاومة للمحتل وإجهاض المد اليهودي والتنبه إلى الهجرة اليهودية والأخذ بأسباب القوة وتشجيع الصناعة والتنمية، وهذا دور المرأة الفلسطينية الريادية في جميع المجالات التي كانت مبكرة في تطلعاتها السياسية وكأنها تحمل هموم هذا الوطن على كاهلها!.
لم تتوقف الحركة الوطنية عند هذا الحد وتقتصر على أهل فلسطين خاصة بل تنادى العرب والمسلمون لنصرة الشعب الفلسطيني، وكان من أقرب الناس إلى هذا الشعب الأخوة العرب شرقي الأردن حيث شاركوا في مؤتمر حضره شيوخ عشائر الأردن للدفاع عن فلسطين!.
المؤتمر الإسلامي العام الأول في القدس
على أثر ثورة البراق التي اندلعت شرارتها بسبب محاولة اليهود الاستيلاء على حائط البراق، والذي أصدرت عصبة الأمم تقريرها في ديسمبر1930م وفيه اعتراف بملكية المسلمين للحائط. دعا الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى إلى مؤتمر يعقد في القدس حيث حضر هذا المؤتمر وفود من 22 دولة عربية وإسلامية، وقد افتتحت جلساته في المسجد الأقصى المبارك ليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب عام 1350هـ  وفق كانون الأول سنة1930 م.
كان الهدف من هذا المؤتمر هو إيجاد كتلة عربية إسلامية تقف سدا منيعا أمام مطامع اليهود في البلاد المقدسة، وقد اتخذ المؤتمر عدة قرارات هامة منها "تنمية التعاون بين المسلمين، وحماية المصالح الإسلامية، وصيانة المقدسات والبقاع المشرفة من كل تدخل وسيطرة، والبدء بإنشاء جامعة بيت المقدس تسمى "جامعة الأقصى" وجمع التبرعات لحماية المسجد الأقصى، وإنشاء شركة لإنقاذ الأراضي الفلسطينية، ومقاطعة جميع المصنوعات الصهيونية في جميع الأقطار الإسلامية، وتنبيه علماء المسلمين ورؤساء حكوماتهم إلى الخطر الصهيوني على فلسطين ومقدسات المسلمين فيها وعلى البلاد الإسلامية التي تجاورها، والاحتجاج ضد الهجرة الصهيونية والسماح ببيع الأراضي، والمطالبة بحق تقرير المصير لفلسطين، واستنكار كل أنواع الاستعمار واعتبار كل مسلم يساعد السلطات الاستعمارية عدوا للإسلام والمسلمين".
شكر المؤتمر في نهاية جلساته نصارى فلسطين وشرق الأردن على عواطفهم التي أبدوها واعتبروا قضية العرب الأرثوذكس جزءا من القضية العربية ولفت نظر الحكومة إلى وجوب انتخاب بطريرك عربي لهم.
ليس غريبا أن يتضافر جهد النصارى الأرثوذكس مع مسلمي فلسطين، فهذه مواقف مشهودة لهم، وكم كانت لهم مواقف مشرفة وقفوها في هذه البلاد، فقد كانت مواقفهم في عهد صلاح الدين الأيوبي وفي هذه الأحداث وغيرها وما زالت مواقفهم حتى يومنا هذا مشرفة ويعتبرون أنفسهم جزءا من الشعب الفلسطيني يجمعهم الهدف والمصير.
مظاهرات الشعب الفلسطيني سنة 1933 م
أيقن الفلسطينيون أن سبب الداء الذي ينخر في قلب قضيتهم هم الإنجليز، فوجهوا أنظارهم صوب هذا المحتل الخبيث الذي يغذي الحقد الصهيوني ويدعم اليهود ضد عرب فلسطين ويشجعهم على الهجرة إلى فلسطين ويضغطون على عرب فلسطين بكل ما أوتوا من قوة من أجل تمكين الصهاينة من بلاهم ومقدساتهم!.فعقدت في مدن فلسطين اجتماعات شعبية سنة 1932م/ 1933 م  تنادي بذلك وبالدعوة إلى عدم التعاون مع الإنجليز، وتحدي قوانينهم، والمطالبة بالاستقلال، فدعت اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الفلسطينيين إلى تظاهرات في القدس في 13 تشرين الأول /أكتوبر 1933 م يسير فيها أعضاؤها وزعماء البلاد مع رفض استئذان السلطات تحديا لقانون الاجتماعات. على أن يرافق هذه التظاهرات إضراب عام. فبادرت السلطة إلى إصدار بلاغ يمنع التظاهرة. ويهدد باستخدام ومعاقبة المخالفين. وعلى الرغم من ذلك، سارت المظاهرات من الحرم القدسي يوم الجمعة، يتقدمها موسى كاظم الحسيني رئيس اللجنة التنفيذية وزعماء البلاد وأعضاء اللجنة، واشترك فيها السيدات مع الرجال، والمسيحيون مع المسلمين ولما وصلت إلى أحد أبواب سور القدس انبرى البوليس لتفريقها، فوقع اصطدام أسفر عن جرح بعض المتظاهرين ورجال البوليس.
انتشرت المظاهرات في العديد من المدن والقرى الفلسطينية وبعد صلاة الجمعة، سارت التظاهرة الكبرى التي اشتركت فيها وفود من سوريا وشرق الأردن، فتصدت لها قوة كبيرة من قوات الأمن وأطلقت النار على المتظاهرين الذين ردوا عليها بالحجارة، فوقع 30 شهيدا وأكثر من 200 جريح عربي. وقتل أحد أفراد البوليس وجرح عدد منهم وكان مع المتظاهرين موسى كاظم الحسيني الذي أصيب بجروح وكدمات وأغمي عليه، وقد امتدت هذه المظاهرات إلى جميع أنحاء فلسطين أعقبها إضراب شامل وتوقف عن الحركة لمدة أسبوع كامل. كما وصلت أخبار هذا الإضراب إلى الأقطار العربية المجاورة مما أدى إلى تضامن هذه الأقطار كمصر وسوريا فتجاوبت مع فلسطين تجاوبا روحيا واستمرت الإضرابات فيها زهاء الشهرين"
نتيجة للوضع الذي آلت إليه الأحوال وما وصلت إليه القضية الفلسطينية من ترد لأوضاعها على يد الإنجليز الذين عملوا وبكل قواهم على تهويد أرض فلسطين وتشجيع الهجرة اليهودية والاستيطان وصد العرب الفلسطينيين عن مواصلة الكفاح وتكبيل أيديهم وكبح جماحهم والعمل على تجريدهم من ممتلكاتهم وقدراتهم. أيقن الفلسطينيون أن الصهاينة ليسو هم الوحيدين في الميدان بل أن الإنجليز من وراء جميع هذه التصرفات اليهودية، فتوجهت الثورة العارمة ضد الطرفين اليهود والإنجليز.
كانت وما زالت القدس بأهلها هي محور الصراع وهي المحرك الحقيقي لجميع هذه الأحداث كونها (القدس) ولأن بوصلة الخطر تتوجه صوبها وأطماع اليهود تتمحور باتجاهها، فأدرك الفلسطينيون بخاصة والعالم العربي والإسلامي بعامة خطورة الموقف، فكانت المظاهرات والمصادمات والشهداء والجرحى والمقاومة نابعة من أرجائها ردا على الإجراءات التعسفية بحقها وحق الوطن أجمع.
لم تذهب هذه المقاومة سدى، بل أنها أفرزت نتائج طيبة كان من ضمنها ما يلي:
أ‌- ظهور دور المرأة في الكفاح والتصدي للمحتل بجميع أشكاله، في هذه المرحلة حيث عقد مؤتمر نسائي في القدس سنة 1929 م واتخذ هذا المؤتمر قرارات هامة وقفت النساء بآرائهن فيه مع مطالب الرجال في هذه القضية الوطنية. وشاركن في المظاهرات الصاخبة ضد الاحتلال.
ب‌- كان نتيجة للحاجة الماسة إلى المال لدعم المشاريع العربية في القدس وفلسطين إنشاء البنك العربي، الذي يعتبر مؤسسة وطنية رائدة لدعم المواطن الفلسطيني والذي أسسه المرحوم عبد الحميد شومان.
ت‌- كما أنشئ مصرف زراعي عربي في القدس برأسمال وقدره 600000 جنيه فلسطيني لدعم المزارع الفلسطيني وتحسين أرضه ردا على المصارف اليهودية التي تم إنشاؤها لهذه الغاية.
الأوقاف  الإسلامية على القدس في هذه الفترة
كان نتيجة لهذه الأحداث التي قامت في القدس أن تنبه المجلس الإسلامي وبعض الغيورين من أبناء الشعب الفلسطيني إلى قضية تسرب الأراضي إلى اليهود وبيعها بواسطة السماسرة، فقامت حملة اشترك فيها المجلس الإسلامي الأعلى فعمل على منع تسرب الأراضي إلى أيدي اليهود وقام المخلصون بإقناع صغار الفلاحين بوقف بيع أراضيهم والعمل على وقفها وقفا ذريا، وقد تم إلغاء عقد بيع 5000 دونما لليهود، كما شهّر الوعاظ والمدرسون بسماسرة وباعة الأرض مما أدى إلى ثني هؤلاء الأشخاص عن المضي في بيع أراضيهم وتسريبها لليهود.
تمكن المجلس الإسلامي من إعادة مساحات كبيرة من أراضي النبي روبين تم تسريبها لليهود في  فترات سابقة فتم استردادها وإعادتها للوقف الإسلامي.
كما عمل المجلس الإسلامي على إعادة أراضي سيدنا علي، حيث كانت هذه الأرض لعائلات سورية، فلما حاول اليهود شراءها، حال المجلس الإسلامي دون ذلك وضمها للأوقاف الإسلامية.
وهناك مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في مناطق متفرقة من البلاد خاصة في المناطق السهلية من أراضي طولكرم استطاع المجلس الإسلامي إن يعيدها ويسجلها أرضا وقفية على مصالح المسجد الأقصى المبارك. لم يتوان الفلسطينيون ولم يتوقفوا في لحظة من اللحظات عن المقاومة بجميع أشكالها والدفاع عن أرضهم بجميع الوسائل المتاحة لهم وكانوا على علم ووعي كبيرين بما يحيق بهم من مؤامرات إنجليزية ومكر صهيوني، ويعرفون المخططات الرهيبة التي تحاك ضدهم، فقاموا الغاصب بكل ما أوتوا من قوة، بيد أن موازين القوى، حالت دون ذلك، على الرغم مما حدث لهم وما وصلوا إليه فإن هذا لا يعني أن الفلسطينيين قد تنازلوا عن حقوقهم ونسوا وطنهم بل أنهم مصّرون على نيل حقوقهم ولو بعد حين...!؟.
الشعب الفلسطيني  وثورة 1936م
استمر الوضع في فلسطين على ما كان عليه من صراع مسلح واضطرابات ومظاهرات وقلاقل ذلك لأن الصهاينة واصلوا تحديهم للعرب بزج أعداد كبيرة من المهاجرين إلى فلسطين، من ناحية، كما أنهم هربوا كميات كبيرة من الأسلحة إلى المستوطنات والعمق الفلسطيني يعدون أنفسهم لمواجهات قادمة كبيرة، علاوة على الدعم اللامتناهي للمستعمر البريطاني لليهود، من ناحية والمراوغة في انتهاج السياسة الداعمة للكيان الصهيوني، بالإضافة إلى الضغط المتواصل والتشديد اللامتناهي أيضا على السكان العرب الفلسطينيين. كل هذه الأسباب حدت بالفلسطينيين إلى مواصلة كفاحهم الذي ساندهم فيه إخوانهم العرب من الأقطار العربية المجاورة ودعموهم بالمال والسلاح والرجال. لكن هذا الدعم والقدرات لم تكن على مستوى الدعم البريطاني والمد الغربي لليهود. فتواصلت أعمال العنف بين الطرفين وزادت آثار الثورة على المحتلين ولم يلق أهل فلسطين السلاح أو يقصّروا في الدفاع عن وطنهم ولا للحظة واحدة، وأنه لمخطئ خطأ لا يغفر له التاريخ من يزعم أن الفلسطينيين تهاونوا يوما ما في سبيل الدفاع عن وطنهم ووجودهم في هذه البلاد!.
لم يقتصر الدفاع عن هذه البلاد بالمقاومة العسكرية بل كانت أيضا بالتوعية وعقد المؤتمرات والندوات والاجتماعات والخطب والدروس الدينية والتوعية الفكرية التي انتشرت ثقافتها بين جميع فئات الشعب الداعية إلى التمسك بالأرض وعدم التفريط فيها. وأصدر المجلس الإسلامي الأعلى الفتاوى التي تحرم بيع الأراضي أو التفريط بها لليهود!.
لكل ما سبق، فقد كان  تجمع الغيوم المتلبدة في خريف 1935 م نذيرا بالعاصفة الكاسحة التي هبت عام 1936م، فكان هناك سببان هامان لما آلت إليه الأوضاع سواء في الجانب العربي، ألا وهما:
1. ازدياد حالة الفلاح العربي سوءا، وذلك بتسريب أرضه إلى اليهود بجميع الوسائل الخبيثة التي انتهجتها السياسة البريطانية الصهيونية من عدم دعم للمزارع وتجهيله وانتزاع مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة في مرج بن عامر وغيره من البلاد.
2. البطالة المستشرية التي دبت بين جميع أفراد الشعب لعدم توفر فرص العمل والإنتاج، وذلك بسبب إهمال الحومة البريطانية لمطالبه والضغط عليه لتجويعه وتركيعه. فنشأت حركات المقاومة المحلية، وانتشرت في جميع أنحاء الوطن، حيث كان من أبرز هذه الثورات ثورة الشيخ عزا لدين القسام التي ذاع  صيتها في أنحاء الوطن وحمل أبتاعها السلاح وبدؤوا في مقاومة الإنجليز أولا. بيد أن الحكومة نصبت له ولأتباعه كمينا في أحراش يعبد واستشهد وعددا من أتباعه بيد أن اسم هذا المناضل بقي حيا وعاش في خلد الأمة إلى يومنا هذا. كما أن الأحزاب السياسية الفلسطينية قد وحّدت قيادتها وأجمعت على مقاومة الاحتلال بأشكاله.
في خضم هذه الأحداث التي أرقت مضاجع الإنجليز والتي حسبوا لها ألف حساب من هذا الشعب الهائج مما دفعهم إلى حشد قواتهم من أنحاء مختلفة من المناطق المجاورة حتى من بلادهم لزجها في أرض المعركة بالإضافة إلى الرديف الصهيوني المتواجد في هذه البلاد.
نظرا لضرورة المواجهة بجميع الوسائل فقد عمد الإنجليز وفي العديد من المناسبات إلى تشكيل لجان وإصدار العديد من كتب الطمأنة للفلسطينيين كالكتاب الأبيض والأسود وغيرها لكن جميع هذه الوسائل لم تجد نفعا أمام الواقع المتردي والمراوغة البريطانية والمكر اليهودي والدعم المتواصل!. الذي وضع أساسه وعد بلفور.
شكلت اللجنة العربية العليا بتاريخ 25 نيسان 1936م برئاسة الحاج أمين الحسيني واتخذت قرارا بالاستمرار في إلى أن تغير الحكومة البريطانية سياستها الرامية إلى تهويد البلاد ومن هذه المطالب التي قدمت ما يلي:
أولا – وقف سيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ثانيا – إنشاء حكومة فلسطينية وطنية يسيرها نظام ديمقراطي ومسؤولة أمام مجلس تشريعي يسن القوانين ويسير أمر البلاد.
ثالثا- الحد بل وقف تسرب الأراضي الفلسطينية والتحايل على أهلها وتفريغها من أصحابها الشرعيين وتحويلها إلى الكيان الصهيوني. واصلت المؤسسات والشخصيات الفلسطينية الاحتجاجات على مواقف الحكومة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية التي تمثلت بالضغط على العرب وإطلاق يد اليهود في البلاد.
وقد عقد في القدس في الثامن من أيار 1936م مؤتمر وطني لجميع اللجان القومية. وهيمن على المؤتمر الثوريون العرب، الأمر الذي جعل المؤتمر لا يكتفي بمواصلة الإضراب فقط بل تجاوز ذلك بأنه "لا ضرائب بدون تمثيل". قدمت العرائض الاحتجاجية للحكومة البريطانية منها العريضة المقدمة في 30حزيران 1936م موقعة من 137 شخصية للمندوب السامي البريطاني تستنكر فيها سوء نية الحكومة البريطانية تجاه القضية الفلسطينية وتدين فيها سياستها المنحازة الرامية إلى تكثيف الهجرة اليهودية والقسوة التي تتعامل بها مع أبناء الشعب الفلسطيني. ثم تبع هذه العريضة عريضة أخرى موقعة من 1200 موظفا يحتجون فيها على نفس الأسلوب وتبعها عريضة ثالثة... تتضمن نفس المعنى.
ازداد الحماس الوطني لدى عرب فلسطين فسرت روح الثورة في جميع أنحاء الوطن مدنه وقراه وزاد السخط في الأرياف الذي دعا إلى عدم دفع الضرائب للحكومة وارتفاع حدة العنف وقد بعث "واكهوب" إلى حكومته تقريرا يفيد فيه بأن جميع "أهل المدن والقرى متحدون"
مطالبا بتشكيل لجنة لدراسة هذا الواقع. زادت حدة التوتر واستعمل السلاح على نطاق واسع بين الأطراف وزاد لهيب نار الثورة في فلسطين التي انضم إليها أعداد كبيرة من الداخل والخارج فعم الإضراب جميع أنحاء البلاد وبدأت المقاومة الشرسة التي حار الإنجليز أمامها وعملوا على تهدئتها بجميع الأساليب. بيد أنهم  لم يستطيعوا إيقافها فبدأت الحكومة البريطانية تنهج أسلوبا جديدا من العنف والقتل والتشريد ضد أبناء هذا الشعب المجاهد.
لم تأل الحكومة البريطانية جهدا في إخماد نار هذه الثورة، بكل أساليبها العسكرية إلى أن لجأت إلى إجهاضها فقامت بتوسيط الملوك والزعماء العرب لدى الفلسطينيين من أجل وقف المد الثوري واللجوء إلى الطرق الدبلوماسية، فوجه الملك عبد العزيز آل سعود والملك غازي والإمام يحي والأمير عبد الله في العاشر من شهر تشرين الأول نداءا مشتركا دعوا فيه إلى حل الإضراب ووقف الثورة "والاعتماد على النّيات الحسنة لصديقتنا بريطانيا العظمى التي أعلنت أنها ستحقق العدالة"
"شكلت بريطانيا لجنة برئاسة (بيل PEEL) وهي ما تسمى باللجنة الملكية البريطانية لدراسة أسباب الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936م وهذا ليس بغريب أن تقوم الحكومة البريطانية بتشكيل لجنة تحقيق في أسباب الثورة الفلسطينية العارمة التي استمر إضرابها ستة أشهر "
بعد هذه الأحداث الدامية والإضراب الذي شل جميع نواحي الحياة في فلسطين، وتدخل الملوك والرؤساء العرب لدى الفلسطينيين بوقف هذه الثورة. قررت اللجنة العربية العليا تلبية النداء ودعت الأمة الإخلاد إلى السكينة ووقف الإضراب واستؤنفت الحياة. على أمل أن يشرق فجر جديد يأتي بحل سحري يخدم القضية العربية التي وضعت الحكومة البريطانية كل ثقلها لتنفيذ الأهداف الصهيونية!؟.
كان لا بدلي هنا من وقفة في هذا المجال لأعرج على هذا الإضراب والوساطة العربية التي دفعت اللجنة العربية العليا على وقفه. وكما علل الدكتور الكيالي في كتابه تاريخ فلسطين الحديث هذا الأمر بقوله "...أما الأسباب التي حملت اللجنة العربية العليا إلى الدعوة إلى حل الإضراب ووقف الثورة فتتصل، على الأرجح، بتقديري لمدى خطورة ما تطورت إليه الحالة العسكرية بعد وصول الفرقة البريطانية الجديدة. أضف على ذلك انتشار البطالة بسبب الثورة واقتراب موسم الحمضيات الذي يمس مصالح الكثيرين من الوجهاء السياسيين الأمر الذي جعل استمرار الإضراب محل خلاف وجدال كما أظهرت ذلك معارضة مقاطعة لجنة (بيل) PEEL بعد ذلك بوقت قصير."
لكن الوساطة العربية على مستوى الملوك والزعماء العرب جعلت من حل هذا الإضراب حالة من التراخي وعودة الثوار العرب إلى أوطانهم وكأن حالة التهدئة التي جنح إليها أهل هذه البلاد وبطلب الزعماء العرب أدت إلى ما هو أسوأ!.
على إثر الإخلاد للسكينة ووقف الإضراب وفي شهر تموز 1937 م وصلت اللجنة الملكية البريطانية إلى فلسطين وكان تقريرها يوصي بما أسوأ:
1. تقسيم البلاد إلى دولتين مستقلتين، إحداهما دولة عربية تضم شرقي الأردن مع القسم الجنوبي والشرقي من فلسطين.
2. إنشاء دولة يهودية في القسم الشمالي والغربي من فلسطين.
3. وضع القدس ومنطقة بيت لحم تحت الانتداب البريطاني.
كان من الطبيعي أن يرفض الفلسطينيون هذه القرارات ويوصلون كفاحهم المشروع. فكان ردة الفعل العربي أقوى من هذه القرارات الجائرة وازدادت حدة المقاومة وتعاظمت قوة الثورة وفي تشرين أول سنة 1938م كانت الإدارة المدنية في القدس القديمة قد انهارت وتمكن الثوار من طرد البوليس منها والسيطرة عليها وسيطروا على أجزاء كبيرة من فلسطين وحرروا العديد من المواقع والمدن الفلسطينية.
زاد الطين بلةً، اغتيال حاكم  الجليل في الناصرة، فاتخذت الحكومة قرارا بإلقاء القبض على المفتي وتجريده من صلاحياته وسحب رئاسة لجنة الأوقاف منه. بيد أنه التجأ إلى المسجد الأقصى ولم تستطع الحكومة إلقاء القبض عليه، إلى أن تمكن سراً اللجوء إلى لبنان.
القدس بعد ثورة عام 1936م  حتى نهاية الانتداب البريطاني
عندما نتحدث عن فلسطين، فإننا نتحدث عن القدس لأنها محور الصراع وعصب القضية الفلسطينية، والقدس هي الهدف وراء هذه الصراعات على مر العصور، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نستثني القدس من أي حديث عن فلسطين أو عن الشرق أو حتى الحرب العالمية الكونية، لأن من يملك القدس يتحكم في أرض الرسالات ومهد الديانات فهي ملتقى الأفئدة وبوصلة العالم منذ وجودها وملتقى الحضارات المتصارعة. وهذا قدرها أن تكون لب الصراع العالمي.
إن القيادات المتعاقبة بين جنباتها جعلت أهلها يتبوءون الصدارة دائما، ليكون القرار بأيديهم، فمنذ ظهور الحركة الصهيونية على مسرح الأحداث نجد أن القدس هي الهدف والغاية من ظهور هذه الحركة وأن المعارك الطاحنة والصراعات المتعاقبة كانت تتمحور حول القدس وأن الناطقين باسم القضية والموجهين للسياسة العليا في هذه الديار هم رجالات القدس على مر هذه الأزمنة. وهذا قدرهم أيضا وديدنهم لأنهم سدنة الأماكن المقدسة وأصحاب الجذور العميقة في هذه الديار وأهل الرأي الفصل.
كان الصراع المحتدم بين أهالي فلسطين بعامة والقدس بخاصة مع القطبين المتجاذبين الصهيونية والاستعمار البريطاني على أشده في هذه الديار، فعمل الفلسطينيون بكل ما أوتوا من قوة على وقف الهجرة اليهودية ومقاومة المحتل الغاصب بل ومجابهة المغذي لهذا العدو، فكان على النقيض من ذلك التعسف والقتل والتدمير وإطلاق العنان للصهاينة بتوسيع الاستيطان وتغذيتهم بالمال والسلاح والدعم المتواصل.  وإصدار كتب الطمأنة للعرب التي لم تجد لها في قرارة نفوسهم المصداقية والتلاعب بالعواطف أكبر الأثر في احتدام الصراع ومواصلة الجهاد، فشرد من العرب من شرد واستشهد منهم من استشهد وزج في السجون الآلاف، وكان على الطرف الآخر الدعم والتأييد في المحافل وإرضاءه على الرغم مما كان يقوم به أحيانا عندما لم يوافق مصالحه من قتل لمن يدعمه وسفك دماء لمن يشجعه ويسنده!.
واصلت الثورة الفلسطينية والكفاح ضد هؤلاء الأعداء طريقها فلم تتوقف ولو للحظة واحدة ، لأن توقفها يعني تفوق الطرف الآخر عليها وحسر نشاطها. بيد أن هذه الحركة الوطنية وعلى الرغم مما جابهته من شدائد إلا أنها تعرضت في النهاية وعلى يد الإنجليز إلى القمع وإصدار العديد من الكتب التي لا تنصف العرب الفلسطينيين وإن كانت بعض الرسالات التطمينية تهدئ من روعهم إلا أنها كانت وبتأثير وضغط من قبل اليهود إلى تغيير سياستها التي تحابي بها هؤلاء القوم. وكان من أبرز الكتب التي طمأنت العرب الفلسطينيين (الكتاب الأبيض) بيد أنه لم يكتب له النجاح.
"أما التغييرات الدستورية المقترحة في هذا الكتاب فإن الحكومة البريطانية لم تتخذ أي خطوة لتحقيقها، فظلت تمارس الحكم مباشرة، كما تمارسه في أي من مستعمراتها، ولم تتوان قط في نزع السلاح من العرب، وأصرت على حل منظماتهم والحيلولة دون عودة زعمائهم، وتشددت في منع الحركة الوطنية من أي نشاط مما تبنته من قوانين وأنظمة متذرعة بالضرورة الحربية".
ولأن الصهاينة عملوا بدهاء وذكاء واللعب على جميع الحبال وأنهم يسيرون دائما مع الكفة الراجحة، فحينما أدركوا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأ نفوذها يزداد، بدأت ميولهم تتوجه صوب الولايات المتحدة، ذلك، لأن لليهود جالية كبيرة في هذه البلاد، من ناحية، ولأن نفوذ هذه الجالية كان كبيرا من الناحية المالية والإعلامية، فاستطاعت الصهيونية العالمية أن تسخّر رجالاتها وتوجهاتهم السياسية صوب هذه البلاد لإقناع الحكومة والشعب الأمريكي بأن لهم قضية عادلة وأنهم يودون العودة إلى أرض الميعاد التي وعدهم الله بها على تعبيرهم، علاوة على ذلك فإن هناك عنصرا هاما في الثقافة الغربية، ألا وهي الثقافة الدينية التي يتحلى بها أبناء الغرب المأخوذة من التعاليم التوراتية الممزوجة بالتعاليم المسيحية، حيث أن ثقافة الزعماء والشعوب الغربية جلّها تعود إلى التعاليم التوراتية ويجهلون الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في بلاده، ومن هنا جاء الدعم المادي والمعنوي لليهود في هذه الديار. مع عدم توفر القدرات لدى الجانب العربي في هذا المجال والوقوف عند حدود معينة سواء كان ذلك على الصعيد الإعلامي أو المادي، أضف إلى ذلك التقاعس العربي الذي يتصف به الزعماء والقادة الذين جلّ همهم الحفاظ على مراكزهم وامتيازاتهم، مما تسبب في ضياع القضية ووصولها على ما وصلت إليه!.
خطت القضية الفلسطينية خطوات جبارة في مقارعة المحتل، ووقفت في وجه الصهاينة والمحتل البريطاني أبسل وقفة، وفقد الشعب الفلسطيني الأعداد الكثيرة من زهرات شبابه في خضم هذه المعركة الشرسة، بيد أنه من الأسباب التي أوصلت هذه القضية إلى ما وصلت إليه بالإضافة إلى الأسباب السابقة هو تعريب هذه القضية ووضع مصيرها في أيدي الزعماء والقادة الذين تجاوزوا بمصالحهم الآنية هذه القضية ولم يقدموا لها ما تستحق من دعم ومساندة!.
لم تحظ هذه الحقبة من الزمن القضية الفلسطينية بما تستحقه من دعم خارجي عربي أو إسلامي، بل كانت تمر بمداولات ومؤتمرات وكتب وجلسات لا طائل من ورائها، إلا الوقت الضائع الذي كان يعمل لصالح اليهود، وقد شكلت اللجنة الأنجلوأمريكية لتعيد النظر في القضية الفلسطينية برمتها، وكأن الأمر قد بدا من جديد، متناسين ما وصلت إليه القضية وما سفك على أرضها من دماء وما تكبده هذا الشعب من خسائر، فقبلت الولايات المتحدة الدخول في هذه اللجنة على أن شروط اختصاصها ما يلي.
1. دراسة الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فلسطين وتأثيرها في مسألة هجرة اليهود إليها.
2. دراسة أحوال اليهود في أوروبا، حيث أنهم -  كما يدعون – كانوا ضحية الاضطهاد النازي والفاشي، وتقدير عدد الذين يودون النزوح إلى فلسطين أو إلى دول أخرى خارج أووربا.
3. وبهذا الإجراء يتم حل مشكلة اليهود الذين أبادهم النازيون على حساب الشعب  الفلسطيني، أسوة بوعد بلفور الذي (أخذ مِن مَن له حق إلى من ليس له حق).
4. تقديم التواصي إلى الحكومتين البريطانية والأمريكية لمعالجة مشكلات فلسطين وإيجاد حل دائم لها، وإلى أن تقدم اللجنة تقريرها تتداول الحكومة مع العرب للتوصل إلى تدبير يضمن استمرار الهجرة اليهودية الشهري الذي نص عليه الكتاب الأبيض.
هذا موقف فاضح من قبل الإدارة البريطانية التي عاركت أهل فلسطين عقودا من الزمن ووطدت أقدام اليهود في هذه البلاد، والآن تحاول أن تجر أرجل أمريكا لتزجها في جريمتها التي خططت لها منذ عهد بعيد، ولتعلن للعالم أنها دولة ديمقراطية لا تظلم الشعوب. وأنها ليست صاحبة القرار الأوحد في هذه القضية، بل لغيرها المشاركة في الجريمة. وفعلا دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في حضن الجريمة وانسحبت بريطانيا وتبنت أمريكا "إسرائيل" ودعمتها ماديا ومعنويا وفتحت لها أبواب ترسانتها  العسكرية وخزانتها على مصراعيها. إلى أن تبنتها في النهاية وأصبحت تدافع عنها في جميع الميادين والمحافل الدولية متغاضية عما ترتكبه من جرائم بحق هذا الشعب. كما هو الحال في أيامنا هذه حيث أنها وبمكرها استطاعت أن تجر أرجل أمريكا إلى المستنقع العراقي. كما نشاهده اليوم.
القدس محط رحال المندوبين الساميين واللجان
بقيت القدس هي المحطة الرئيسة التي يتوجه إليها من تعينهم الحكومة البريطانية كمندوبين ساميين وحكاما على هذه البلاد، حيث بلغ عددهم حوالي سبعة حكام من أعلى الرتب وأكفئها في الحكومة البريطانية.  فيديرون شؤونهم العسكرية منها ويتخذون قراراتهم  السياسية والعسكرية فيها بتوجيه من بلدهم الأصلي. بيد أنهم وعلى الرغم من إمكاناتهم وقدراتهم العسكرية والمادية وعلى الرغم من قساوتهم وشدة بطشهم في أبناء هذه المدينة الصابرة وفي جميع أبناء فلسطين، لم تتوقف الثورة والنضال ضدهم، فتوجهت أنظار الفلسطينيين صوب الإنجليز بالإضافة إلى الصهاينة وأخذوا يحاربون جيشا ضخما مدربا بيده ترسانة أسلحة هائلة ومدد وإسناد بشري ضخم. فكان من المنعة ومواصلة التصدي لهذه الحكومة الجائرة ما لم تستطع هذه الحكومة من توقيفه أو وضع حد له على الرغم من الخسائر المادية والبشرية الهائلة التي مني بها الشعب الفلسطيني والأحكام الجائرة التي فرضت عليه.
وبالنسبة إلى اللجان التي كانت ترسلها بريطانيا إلى هذه البلاد فكانت محط رحالها مدينة القدس ولا تستطيع تجاوزها إلا لأخذ المعلومات من هنا أو هناك ثم تعود إلى القدس. هذه القدس في العهد البريطاني، حيث أخذت بريطانيا ترسل الوفود فيضعون القرارات والتوصيات ويصدرون كتب التقسيم أو التهدئة ولكن لم يطبق منها على أرض الواقع شيئا إلى أن نقلت القضية برمتها إلى هيئة الأمم وأخذت تتنصل من مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية بعد أن تم قضم معظم أراضي فلسطين وتحويلها إلى اليهود وتشجيع الهجرة اليهودية بأعداد هائلة وبناء المدن والمستعمرات اليهودية وقتل العرب وتشريدهم وزجهم في السجون ومطاردة الثوار ونسف بيوتهم.
قرار التقسيم
أصدرت هيئة الأمم بتاريخ 29 تشرين ثاني 1947م قرارها القائل بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية، وأخرى عربية، أما القدس فتقرر تدويلها.
في 14أيار 1948م رحل المندوب السامي البريطاني وما كادت شمس اليوم التالي أي 15 أيار تغيب حتى كان آخر جندي بريطاني قد رحل وبذلك انتهى العهد البريطاني الذي استمر ثلاثين عاما مظلما على فلسطين. كان نتيجته البطش والقتل وسفك الدماء وتكريس وعد بلفور وتقسيم فلسطين ومنح اليهود دولة فيها على حساب أهلها الشرعيين. وبهذا فقد ارتكبت بريطانيا العظمى أعظم جريمة بحق البشرية والإنسان والمقدسات.
غادر الإنجليز بعد أن هيئوا الظروف المناسبة محليا وعربيا ودوليا لاستيلاء اليهود على فلسطين ومن ضمنها الجزء الأوفر من "القدس الغربية". حيث دخل الجيش الأردني "القدس الشريف" يوم 18/5/1948.
"شعر العرب بعد صدور قرار التقسيم بخيبة الأمل, وأدركوا ولأول مرة في تاريخهم أنهم أمام حقيقة مرة هي الدولة اليهودية التي خلقتها بريطانيا بمساعدة أمريكا والدول التي تدور في فلكها. فصمم العرب على الدفاع عن بلادهم وأنفسهم وكيانهم الذي أضحى قرار التقسيم يهدده.
كذلك كان الأمر عند اليهود، فإنهم لأول مرة في تاريخهم يحصلون على قرار يمنحهم دولة ذات سيادة، ولقد كانوا لا شك يعملون لمثل هذا القرار منذ عشرات السنين، فأصبح حلمهم حقيقة واقعة. ولهذا بدؤوا يستعدون لاستغلال الفرصة التاريخية وتنفيذ القرار الذي أعطاهم دولة على الورق  ليطبقوها على الأرض.
كان عرب فلسطين يعتمدون على الدول العربية التي تعهدت بإنقاذ فلسطين وركنوا إلى وعود الدول العربية بإرسال  جيوشها بعد جلاء الإنجليز ولم يقم عرب فلسطين بإعداد جيش بل تركوا الأمر للمناضلين يعملون على مختلف القطاعات والمدن بدون تنظيم. وعرب فلسطين معذورون إذ لم تكن لهم حكومة ترعى مصالحهم، وكانت الهيئة العربية العليا تعمل في ظروف صعبة جدا ولم تتمكن من إثبات وجودها كحكومة بسبب إبعاد زعماء البلاد وعلى رأسهم سماحة الحاج أمين الحسيني عن وطنهم ومعارضة الملك عبد الله الذي لم يخف نواياه منذ ذلك التاريخ، واتضحت مطامعه في ضم القسم الغربي من فلسطين إلى شرق الأردن."
عندما قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة تقسيم فلسطين ووضع القدس ومنطقتها التي تمتد من شعفاط شمالا والعيزرية شرقا وبيت لحم جنوبا وقالوانية غربا، تحت إشراف دولي، وافق اليهود على المشروع كله مع الاعتراض على دولية القدس، ورد  العرب المشروع كله بما في ذلك دولية القدس.
عهدت الجمعية العامة إلى مجلس الوصاية بوضع نظام للوصاية الدولية على القدس ففعل، على أساس إيجاد إدارة موحدة. يشترك فيها العرب واليهود وممثلو الأمم المتحدة، وتستند إلى مجلس استشاري مشترك وإلى حاكم عام له صلاحيات واسعة تعينه الأمم المتحدة.
القدس في خضم الأحداث في عامي 1947م و 1948
الوضع السكاني:
في الوقت الذي اتخذت فيه الأمم المتحدة قرارها المشهور بالتقسيم، داعية إلى أن تصبح القدس كيانا منفصلا، كان الإقرار بالوجود العربي _ الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي – في المدينة أمرا لا مفر منه. كان العدد السكاني في المدينة ضمن حدود البلدية 100الف يهودي و 60عربي لكن القدس العربية تعتبر المركز التجاري والإداري بالنسبة لفلسطين، ومن هذا المنطلق وسع البريطانيون حدود منطقة القدس فأصبح الوضع السكاني أكثر بقليل لصالح العرب من اليهود حيث أن السكان العرب كانوا 105 آلاف بينما اليهود حوالي 100 ألف. وكان العرب يملكون أكثر من 80%  من الممتلكات بينما اليهود يملكون 7 % فقط.
لكن أصبح هناك خللا في التوازن السكاني حيث أن العرب كانوا ينمون نموا طبيعيا في القدس بينما الهجرة اليهودية التي أخذت تتدفق بشكل مفاجئ بعد قرار بريطانيا نقل مسؤوليات انتدابها إلى الأمم المتحدة وموافقة مجلس الأمن على قرار التقسيم في تشرين ثاني، بدا أن المخططين العسكريين الصهاينة يحيكون خطة للاستيلاء على القدس بكاملها وعملوا على اجتياحها، وأحاطوا بها من جميع الجهات الجنوبية والغربية والشمالية ولم يبق سوى الجهة الشرقية من المدنية مفتوحة، واستثمر اليهود الحرب القذرة وسياسة الذبح والتهجير والإبادة الجماعية فقاموا بمجزرة دير ياسين وقتلوا 250 من السكان المحليين مما أثار الرعب في نفوس الناس وشكلت عصابات إجرامية مثل الهاجانا والأرغون وشتيرن كان همها نشر الرعب في نفوس الفلسطينيين وارتكاب المذابح الجماعية وتخويف الناس وتهجرهم مما حدا بأهل "القدس الغربية" أن يتركوها ويهاجروا منها كما هو الحال مع أهل القرى العربية المتاخمة للقدس من الجهة الغربية والشمالية الجنوبية مثل لفتا وغيرها من القرى التي هجر أهليها نهائيا. وأصيب الناس بالهلع من هذه الأعمال الإجرامية وزاد الطين بلة، استشهاد القائد المقدسي عبد القادر الحسيني في القسطل مما تسبب في ذعر المواطنين وانكسار شوكتهم في هذه المرحلة.
لم يتوان الفلسطينيون في الدفاع عن مدينتهم بجميع الأساليب العسكرية فواصلت الأمم المتحدة نظرها في قضية القدس وطرحت خطة تدويل القدس في كانون الأول 1948م. فإن المدينة قد انقسمت بالفعل على امتداد خطوط المعركة التي حددتها الهدنة الثانية في 18 تموز وهي بالأسوار الغربية للمدينة المسورة وحزام من المباني المهجورة والأرض الحرام. إن التشتيت الذي أنزل بسكان القدس العرب كان هائلا. فالقسم الغربي من المدينة، حيث كان العرب يمتلكون ما يصل إلى 40 % من الممتلكات أفرغ الآن من العرب. وحسب التقديرات طرد أكثر من 30 ألف من السكان العرب من "القدس الجديدة (الغربية)" وأسرهم من المدينة بصورة دائمة حسب تقديرات أخرى كان عدد السكان العرب الذي طردوا أكثر بكثير، ربما 60ألفا إذا حسب ذلك مع السكان العرب الذين هربوا من المدينة القديمة أو من القرى المجاورة، وإذا حسبنا العرب الذين أفرغوا من القرى في الجهة الغربية من المدينة يزداد العدد ليصبح حوالي 80 ألفا "(  )
القدس تستضيف مؤتمر الفلسطينيين عام 1964م
وقيام منظمة التحرير الفلسطينية
واصل الفلسطينيون نضالهم في سبيل قضيتهم. ففي 28 مايو 1964م عقدوا مؤتمرا عاما في القدس ضم ممثلين عن مختلف تجمعاتهم من وجهاء ومثقفين، كما ضم رؤساء وأعضاء البلديات والغرف التجارية والصناعية وقد انتخب في هذا المؤتمر أحمد الشقيري رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كان مقرها القدس، وشكل المؤتمر مجلس للصندوق القومي الفلسطيني واختار رئيسا له، ووضع المؤتمر ميثاقا فلسطينيا ونظاما أساسيا للمنظمة. واعتبر ذلك المؤتمر والمجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي تقرر على أن يجتمع دوريا وأصبح بمثابة البرلمان واللجنة التنفيذية بمثابة الحكومة الفلسطينية في المنفى.
وتشكل هيكل تنظيمي لمنظمة التحرير الفلسطينية كما يلي:
1 – مجلس وطني بمثابة برلمان الشعب الفلسطيني.
2- لجنة تنفيذية لقيادة الشعب الفلسطيني وهي بمثابة حكومة فلسطينية.
3-الأجهزة والمؤسسات والدوائر وهي بمثابة وزارات مثل:
أ) الدائرة السياسية بمثابة وزارة الخارجية.
ب) دائرة الإعلام.
ج) دائرة الشؤون التربوية والثقافية.
د) دائرة شؤون الوطن المحتل.
القدس ما بين 1948م – 1965م
انسحب البريطانيون من فلسطين ليلة الرابع عشر من أيار سنة 1948م تاركين خلفهم شعبا مهجرا وقضية مدمرة واحتلال صنيع  الاستعمار. وقد انفجر القتال بين العرب واليهود من جديد. وإليك مسلسل الأحداث في القدس خلال هذه الفترة :
[في 13 كانون أول قامت منظمة ارغون زفاي ليومي بقتل 18 عربيا وجرحت 60 آخرين في القدس وألقت قنابل بالقرب من بوابة دمشق.
23كانون أول 1947م حدثت معركة بالبنادق بين العرب واليهود في البلدة القديمة من القدس، كما قام القناصة العرب بإطلاق النار على اليهود من قمة جبل الزيتون أثناء تشييع جنازة يهودية.
28/112/1947م قتل بنيران عربية طبيب عسكري يهودي بالقرب من مستشفى هداسا.
29/12/1947م قتل اليهود شرطيين بريطانيين وأحد عشر عربيا وجرح 23 عربيا في باب العمود بإلقاء قنبلة .
أعلنت السلطات البريطانية أن عدد الضحايا قد بلغ منذ صدور قرار التقسيم في 2 نيسان 1947م حتى 30 تشرين ثاني 1947م 1878وارتفع العدد إلى 3000في آذار 1948م]
شن اليهود اعتداء على مدينة القدس وقتل منهم 441 يهوديا في معركة واحدة. وتتوال الاعتداءات وتشن الغارات بين الجهتين والفلسطينيون يطورون نضالهم ضد المحتل إلى أن توصل الفريقان العربي واليهودي إلى وقف لإطلاق النار في 7/5/1948م في الحدود البلدية بين الجانبين.
لم تتوقف الاعتداءات الصهيونية على المدينة المقدسة فتعرضت الأماكن الإسلامية والمسيحية وقتل اليهود من الجانبين أعدادا كثيرة ووقف المسيحيون بجانب إخوانهم المسلمين للدفاع عن هذه المدينة المقدسة.
[وقد تشكلت في مصر نواة من الفدائيين الفلسطينيين أخذت تتسلل عام 1950من غزة لتقاتل المحتل داخل البلاد. وقد تجسدت هذه المحاولات لتحرير فلسطين بالقتال المسلح عام 1957م في ولادة أول حركة منظمة للمقاومة الفلسطينية منذ إعلان دولة إسرائيل... إنها حركة (فتح) التي دعت الفلسطينيين إلى تحمل مسؤولياتهم في تقرير مصيرهم]
الوقف في لقدس
فمدينة القدس من أولى المدن التي تشتهر بالوقف سيما على المسجد الأقصى المبارك    وللحفاظ على مكانتها العربية والإسلامية واعتبار الوقوف الإسلامية نوعا من أنواع المقاومة والحفاظ على هوية هذه الأرض فقد تنادى العديد من أصحاب العقارات والأملاك على وقفها خوفا عليها من الضياع والتسرب لليهود، وهناك 681 عقارا تم وقفه في "القدس الشرقية"، وبلغت نسبة الأشغال فيها 8و91%.
القدس والاجتياح "الإسرائيلي" عام 1967م
عرضنا سابقا الأحداث التي مرت على القدس منذ نشأتها،  وكيف أن المسلمين قد أولوا هذه المدينة الاهتمام اللائق بها. ولم يدخروا عنها جهدا في الحفاظ عليها. ولا يكاد خليفة أو سلطان أو حاكم، إلا وترك أثرا له فيها، وهذا من أسرار الاهتمام بها وإعطاءها حق الأولوية في جميع المجالات لقدسيتها ومركزيتها في العقيدة الإسلامية.
لا يفوتنا في هذا المجال أن نستعرض ما آلت إليه الأوضاع في المدة الأخيرة والتي تعتبر من أشد، بل وأسوأ المراحل التي وصلت إليها على جميع المستويات.
إن الحالة التي تردت إليها أوضاعها بعد النكبة الكبرى بالاجتياح "الإسرائيلي" لها ليعتبر بحق من أقسى المراحل التي مرت عليها عبر العصور، والذي تسبب في تغيير وجهها الحضاري والديموغرافي والاجتماعي....
(ففي صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران سنة 1967م، شن الطيران "الإسرائيلي" هجوما كثيفا صاعقا على المطارات المصرية، والجيوش العربية وفي ستة أيام، استطاعت القوات "الإسرائيلية" أن تهزم هذه الجيوش على ثلاث جبهات.وكانت الخطة العليا لدى القيادة الصهيونية اجتياح القدس الذي أعدت له خمسة ألوية منها لواء مظلي ولواء مدرع. وقد أطلق على هذه الخطة العسكرية السرية "السوط".
كانت الخطة معدة تحت ذريعة إنقاذ 120 جنديا في جبل سكوبس من الجيش الأردني الذي كان يحيط بهم حيث كانت تصلهم المؤن مرة كل أسبوعين, وفي ليلة السادس منه وصلت القوات "الإسرائيلية" إلى أسوار المدينة القديمة وفي صباح اليوم السابع من حزيران اقتحمت المدينة المقدسة بعد أن غطت هذا الاقتحام بوابل من القصف المدفعي المركز تسبب في تدمير العديد من الأبنية والمحلات التجارية وأصاب العديد من أماكن العبادة المسيحية والإسلامية حيث تضرر الحائط الغربي من المسجد الأقصى المبارك وأصابت القنابل الصخرة المشرفة واستشهد ما يربو على الثلاثمائة شهيد في هذه المعركة الشرسة داخل أسوار المدينة.
(في نفس الوقت الذي كانت تدور فيه المعارك في اليوم السابع من حزيران اتخذ مجلس الأمن قرارا بالدعوة إلى وقف النار، ومع هذا فإن الجانب "الإسرائيلي" أيقن أبعاد القرار فعمل بكل جهده على أن تكون كامل مدينة القدس في قبضته وأن يفرض واقع جديد على الأرض. في نفس الوقت الذي قامت فيه القوات "الإسرائيلية" باقتحام المدينة، حيث تم انسحاب الجيش العربي من داخلها، توجه وزير الدفاع "الإسرائيلي" مشيه ديان فورا إلى حائط البراق وأعلن قائلا "لقد حررت قوات جيش الدفاع "الإسرائيلية" القدس وأعدنا توحيد هذه المدينة الممزقة، عاصمة "إسرائيل"، وعدنا إلى أقدس الأماكن ولن نرحل عنها مرة أخرى أبدا" كما قام حاخام الجيش "الإسرائيلي"(شلومو غورن) في اليوم التالي بزيارة الحائط على رأس وفد من الجند وقام بتأدية الصلاة، وقد أعلن حالا بأن حلم اليهود قد تحقق، فالقدس اليوم لليهود، ولن يتراجعوا عنها أبدا، وهي عاصمتهم الأبدية، كما دعا إلى الاستيطان في القدس ولو في أكواخ)
لم تكتف "إسرائيل" بما قامت به من جرائم وتدمير داخل المدينة المقدسة بل واصلت الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة بالمدينة، وازداد الأمر خطورة حيث قامت بهدم العديد من القرى التابعة لمدينة القدس كما حدث في قرى يالو وبيت نوبا وعمواس وهجر أهلها منها وأصبحت قراهم على مرأى النظر منها
القدس من منظور القرارات الدولية
تعرضت القدس إلى نكبات متلاحقة ومؤامرات عديدة على مدى تاريخها.  ويعلل المؤرخ الكبير عارف العارف في كتابه المفصل في تاريخ القدس هذه الظاهرة عن هذه المدينة العريقة بقوله: "لم تلعب مدينة من المدن القائمة على وجه البسيطة، الدور الذي لعبته القدس في التاريخ، على الرغم من أنها مدينة لا زرع فيها ولا ضرع، وعرها أكثر من سهلها. ماؤها قليل. ليس فيها ماء ولا نبع غزير. إنها ليست من المدن التجارية الهامة، رغم وقوعها بين البادية من الشرق والبحر من الغرب. ولا هي من المدن الصناعية أو الزراعية التي تستطيع أن تكفي نفسها..
مع ذلك فقد لاقت، ما لم تلاقه غيرها من المدن في الشرق أو الغرب، ومن رأى ظلم الطبيعة، وظلم البشر. فقد كانت، على مر الدهر، مطمح أنظار الغزاة والفاتحين. فحوصرت مرارا، وهدمت تكرارا، وهجرت وأعيد بناؤها عشرات المرات، في التاريخ. ولكنها، بالرغم من هذا كله، ظلت قائمة في هذا الوجود. وظل اسمها مذكورا في طليعة المدن والبلدان. إنها في الحقيقة، ولا شيء وكل شيء. إنها مدينة المتناقضات... مدينة الأديان، مدينة الآثار.. مدينة التصنع.. مدينة التعصب.. مدينة السحر والخيال!. إنها مقدسة في  نظر جميع الأديان. وقد لا نعتدي على الحق إذا قلنا، أن قدسيتها هذه كانت في أكثر الأوقات السبب في شقائها وفيما انتابها من رزايا ومحن.
إنك إذا أضفت إلى صفاتها المتقدم ذكرها (وهي اليبوسة والجدب وقلة المياه (والاختلافات الدينية) أجل، إذا أضفت إلى هذا كله المصائب التي تحملها الجيوش المحتلة من هدم وتخريب، وسفك دماء، وتدمير، ومن طرق في الحكم تفرض فرضا، أدركت السبب لا بل الأسباب التي تجعل ابن القدس أميل إلى العبوس والتشاؤم في حياته إلى الفرح وتوقع الخير".
هذه مدينة عاشت ومرت عبر التاريخ بهذه الأوضاع، وتقلبت عليها الحضارات المختلفة، لا بد وأن تكون مطمع الغزاة على مر عصورها، ولا بد أن ينظر إليها العالم نظرة خاصة ميزتها عن غيرها من مدن العالم. ففي مطلع القرن العشرين تعرضت هذه المدينة إلى أشرس هجمة تلاقت فيها أطماع الصهيونية العالمية وشراهة المستعمر الغربي، فعملت بريطانيا بكل ثقلها على تغيير معالمها ومحو ثقافتها وحضارتها العربية الإسلامية التي نشأت في ظلالها منذ بزوغ فجرها وصبغها الإسلام بنوره. فكان لا بد، لها من أن تتعرض للمؤامرات، لكن هناك قرارات دولية أخذت بعين اعتبار الوضع الذي آلت إليه هذه المدينة المقدسة.
على إثر الأحداث التي وصلات إليها، فقد اتخذت القرارات الدولية الهامة من أجل هذه المدينة، بيد أن التناغم الصهيوني الاستعماري طغى على جميع القرارات الدولية، مهما كثرت، أو كان لها من تأثير، فالعدالة والإنسانية تجردت من الدول الاستعمارية وأصرت على تنفيذ مآربها بالرغم من الوعود التي تظاهرت بها في بداية الحرب العالمية الأولى وقطعتها على نفسها أمام الشريف حسين. لكن الغدر والخيانة كان عنوان ورمز المستعمر الذي شجع الهجرة اليهودية، وعمل بكل ثقله على تحطيم الآلية العربية في هذه البلد.
3- القدس من منظور القرارات الدولية من الانتداب البريطاني إلى قيام دولة "إسرائيل"
القرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 29/11/1947م
القدس / الأماكن المقدسة :
1- تنشأ في فلسطين دولتان، عربية ويهودية وتدويل مدينة القدس.
2- يحق للعرب واليهود المقيمين في القدس ممن وقعوا بيانا أعربوا فيه عن نيتهم أن يصبحوا مواطنين كل في دولته.
3- المحافظة على حرية المرور إلى الأماكن المقدسة لجميع الطوائف.
4- الحفاظ على الأماكن المقدسة لجميع الأديان.
5- لا تفرض ضريبة على الأماكن المقدسة.
6-المواطنون المقيمون خارج مدينة القدس لهم حق التمتع بجنسية الدولة التي يقيمون فيها.
7- يجعل لمدينة القدس كيان منفصل (Corpus Sepratum) خاضع لنظام دولي خاص وتتولى الأمم المتحدة إدارتها. وللقدس نظام إداري وسياسي واقتصادي بإشراف خارجي.
قرار مجلس الأمن رقم 49 تاريخ 22/5/1948م
الخلفية: يدعو مجلس الأمن لجنة الهدنة جميع الأطراف المعنية إلى أن تعطي التفاوض من أجل هدنة والمحافظة عليها، في مدينة القدس، الأولوية المطلقة.
قرار مجلس الأمن رقم 50  تاريخ 29/5/1948م
الخلفية: يتخذ مجلس الأمن الاحتياطات اللازمة لحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة, في مدينة القدس.
قرار مجلس الأمن رقم 54 تاريخ 15/7/1948م
الخلفية: إيعاز مجلس الأمن إلى الوسيط الدولي بمواصلة جهوده من أجل نزع السلاح عن القدس.
قرار الجمعية العامة رقم 194. تاريخ11/12/1948م
الخلفية: وضع تصور واضح لمستقبل مدينة القدس. وضمان حرية العبادة
4- قرارات مجلس الوصاية
قرار رقم 29 / الدورة الثانية تاريخ 11/12/1947م
الخلفية: القرار الذي تبنته اللجنة ينص على أن اللجنة العامة في القدس بإمكانها أن تستمع للأطراف المعنية.
قرار رقم 32 تاريخ10/3/1948م
الخلفية: الإعراب عن الرضا بشأن وضع القدس.
قرار رقم 33تاريخ 10 /3/1948م
الخلفية: القرار ينص على الطلب إلى الأمين العام توفير اعتمادات متعلقة بمشروع نظام القدس.
قرار رقم 34 تاريخ21/4/1948م
الخلفية: القرار ينص على إحالة مسألة الموافقة على مشروع نظام القدس إلى الجمعية العامة.
قرار رقم 113تاريخ 19/12/1949م
الخلفية: القرار ينص على دعوة رئيس مجلس الأمن على إعداد ورقة عمل حول نظام القدس
قرار رقم 114تاريخ 20/12/1949م
الخلفية: القرار ينص على دعوة "إسرائيل" إلى إلغاء نقل بعض الدوائر والوزارات إلى القدس.
قرار117  تاريخ 10/2/1950م
الخلفية: القرار ينص على إنهاء إعداد نظام القدس.
قرارا رقم 118تاريخ 11/2/1950م
الخلفية: القرار ينص على دعوة "إسرائيل" والأردن إلى إبداء رأييهما في تعديل مشروع نظام القدس.
قرار رقم 232 تاريخ 4/4/1950م
الخلفية: القرار ينص على دعوة "إسرائيل" والأردن في التعاون في تنفيذ نظام القدس.
قرار رقم 234 تاريخ 14/5/1950م
  الخلفية: القرار ينص على ملاحظة عدم استعداد الأردن و"إسرائيل" للتعاون من أجل تنفيذ نظام القدس.
القدس في عهد الاحتلال "الإسرائيلي" وما اتخذه من إجراءات فورية فيها
قامت "إسرائيل" على الفور باتخاذ الإجراءات العملية على أرض الواقع ولم تعط فرصة للقرارات الدولية أو تستجب للمطالب العالمية أو النداءات من جميع الجهات بل أصرت على تنفيذ رغبتها . ففي 9 حزيران أصدرت أمرا عسكريا يقضي بإخلاء جميع سكان حارة المغاربة المحاذي لحائط البراق استعدادا لتدمير هذا الحي، ولم يعط السكان فرصة لإخلاء منازلهم أو جلب أمتعتهم.
في 11 حزيران قامت الآليات "الإسرائيلية" بتدمير 135 منزلا على ما فيها، وأصبح أنقاضا، فنجا من أهلها من نجا، ودمرت على رؤوس من لم يستطع الهروب منها، وهذا باعتراف قائد سلاح الهندسة "الإسرائيلي" "ايتان بن موشيه" ودفنت الجثث تحت الأنقاض. ونزعت ملكية حوالي 200 عائلة وهجر منها حوالي أربعة آلاف مواطن مقدسي خارج مدينة القدس وإن معظم منازل الحي وقفية.
أما الإجراءات "الإسرائيلية" الأخرى التي حدثت في القدس أثناء الاجتياح، فقد كان من ضمنه تدمير مسجدي البراق والأفضل في حي المغاربة بالإضافة إلى نسف مصنع البلاستيك الذي كان يعمل فيه حوالي 200 عامل قرب حي الأرمن.
قامت القوات "الإسرائيلية" بتدمير 24 منزلا في أنحاء المدينة بحجة أعمال المقاومة.
في 14 حزيران قامت القوات "الإسرائيلية" بنسف 14 منزلا بحجة توسيع حائط البراق.
قامت القوات "الإسرائيلية" بخطة مبرمجة تم على أثرها ترحيل حوالي 20000 مواطن من داخل مدينة القدس إلى الأردن بالإضافة إلى طرد حوالي 60000 مواطن من منطقة القدس خارج البلاد.
وهناك إجراءات "إسرائيلية" أخرى تضمنت تعزيز سيطرة اليهود على المدينة من خلال مصادرة أراض وعقارات داخل أسوار المدنية القديمة شملت 595 منزلا ضمت 1048 شقة سكنية و473 محلا تجاريا، وخمسة مساجد والزاوية الفخرية وأبي مدين الغوث وأربعة مدارس، وسوقا أثريا يطلق عليه سوق الباشورة وشارع باب السلسلة التجاري.
"ونحن الآن نجني ثمار هذه الأحداث المريرة وأشد هذه الثمار مرارة: محاولة "إسرائيل"  "تهويد القدس" العربية الإسلامية، وفق مخطط معلوم، ونهج مرسوم، وعلى مرأى ومسمع أكثر من مائتين وخمسين مليونا من العرب، ووراءهم أكثر من مليار من المسلمين. وعلى الرغم من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وبمساندة وتأييد من أمريكا القوة الوحيدة، والمتألهة في العالم اليوم."(  )
القوانين والتشريعات "الإسرائيلية" لفرض واقع جديد في القدس
أولا: قانون ضم القدس إداريا وقضائيا:  صدر مرسوم "إسرائيلي" بتوسيع المدينة على 108كم .
ثانيا: تعديل قانون البلديات: حل المجلس البلدي العربي وتم تعيين 21 عضوا يهوديا فقط.
ثالثا: قانون التنظيمات الإدارية لعام 1967: وضع جميع تراخيص مزاولة المهن تحت القانون "الإسرائيلي".
رابعا: قانون الإشراف على التعليم : الإشراف التام على التعليم بمناهجه ومدارسه
خامسا: القوانين المتعلقة بمصادرة الأراضي ونزع ملكية العديد من العقارات والأراضي وبناء المستوطنات وقد اعتمدت قوانين قديمة لمصادرة الأراضي وهي :
1- قانون المصادرة للأغراض العامة لسنة 1943 م
2- قوانين أنظمة الطوارئ والأمن العام عام1945م
ثانيا) القوانين التي شرعتها "إسرائيل" بعد عام 1967م لتعزيز سيطرتها عل الأرض
1. قانون أملاك الغائبين:
2. قانون التعويضات:
3. قانون أراضي الدولة المسجلة:
4. إعلان أراضي غير مسجلة على أنها أراضي دولة
5. أراضي الموات (الصخرية)
6. الأراضي الميري
7. الأرض المتروكة
8. الخرائط الهيلكية
ويمكنني أن أضيف إلى هذا المجال نقاطا هامة وهي:
1. الطرق الالتفافية
2. "الجدار العازل"
3. أماكن البيوت المنسوفة،
4. عدم إعطاء التسهيلات للبناء العربي ضمن حدود بلدية الاحتلال في القدس
5. الحدائق والغابات والمحميات:
6. عزل المدينة عن التواصل الجغرافي والديموغرافي والسياسي والاجتماعي للضفة الغربية
7. عملت الحكومة "الإسرائيلية" على إغراء المواطنين العرب بأن هيئت لهم بعض التسهيلات الاجتماعية
8. تقليص مساحات المخططات الهيكلية للضواحي والقرى المحيطة بالقدس هذا ما حدث بالفعل في أراضي قريتي العيسوية وشعفاط  وذلك بتقليص مساحات أراضي هذه القرى
9.الخنق الاقتصادي
إن جميع هذه الإجراءات التي وقعت على المقدسيين لم تمر طواعية بل قاوموها بكل ما أوتوا من قوة سواء ذلك بتقديم التضحيات البشرية الجسام وواجهوها بالاعتقال والاستشهاد والنضال والجهاد. وإن ما جرى ويجري يوميا من اعتداءات على أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية وما يتعرض له المقاومون الفلسطينيون على أيدي الاحتلال من تعذيب وتنكيل لا يخفى على أحد.
كانت القدس طليعة المقاومة وهي عنوانها الرئيس وامتاز أهل هذه المدينة ببطولاتهم وتضحياتهم الجسام بما قدموه من آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين. وما هبة المقدسيين لدى وقوع أي اعتداء على مقدساتهم الإسلامية والمسيحية إلا النموذج الرائع في تطور المقاومة للحفاظ على يبوسية وعروبية هذه المدينة المقدسة العربية الإسلامية.
ولو تتبعنا نضال الشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني فإن المقام هنا لا يتسع وأن ظهور الحركات التحررية الوطنية الفلسطينية وحركات المقاومة الفلسطينية بجميع أطيافها لأكبر دليل على تطور نضال هذا الشعب فمن المقاومة الباسلة التي تشكلت في قطاع غزة والتي أصبحت تأخذ زمام المبادرة في هذه الأيام والتي أخذ يحسب لها حسب والتي استطاعت بتضحياتها الجسام عام 1956م وبعد دخول انتفاضة الأقصى المباركة أن يكون لها موقعا على أرض الواقع والتي استطاعت أن تخرج المحتل من قطاع غزة وتحرر هذا  الجزء من الوطن وتزيل عشرات المستوطنات من هذا الجزء لقادرة في مسيرتها على الوصول على أهدافها التي أسست من أجلها  كما أن المقاومة داخل فلسطين وخارجها وفي مخيمات الشتات، وفي فلسطين المحتلة بما حققته من وعي لدى أبناء هذا الشعب في الداخل ليعزز موقعها، وما هبة الأقصى التي نعيش ووقوف الحركة الإسلامية في الداخل وعملها من أجل القدس والمقدسات الإسلامية  إلا دليل على نمو الوعي لدى هذا الشعب بكل أطيافه داخليا وخارجيا.
أما بالنسبة للاعتداءات التي تقع على المسجد الأقصى المبارك فقد استطعت أن أرصدها وأوثقها منذ عام 1856م أي في العهد  العثماني حتى وقتنا الحاضر. وما أحداث حريق المنبر عام 1969م عنا ببعيد وما أحداث النفق التي استشهد فيها العشرات ببعيدة عنا أيضا وكل يوم يسقط شهداء ويعتقل أبرياء وتنسف بيوت وتهدم أبنية... والأمر قد يطول لا سمح الله. أما انتفاضة الأقصى المباركة التي راح ضحيتها آلاف الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين ونسف آلاف البيوت. ما هي إلا نموذج رائع لكفاح الشعب الفلسطيني في الدفاع عن قضيته ومقدساته. وإنه لمن أبرز ما خرجنا به من نتائج نضالية على أرض الواقع تسمية أجنحة عسكرية مقاومة بأسماء القدس مثل شهداء الأقصى وسرايا القدس وغيرها.
والله نسأل أن يعيد لأمتنا أمجادها ويحرر مقدساتها ويوحد كلمتها وينصرها على أعدائها إنه نعم المولى ونعم النصير.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخلاصة
لدى عرض بحث "تطور نضال الشعب الفلسطيني للحفاظ على يبوسية القدس"، ثبت لدي أن :
1- القدس من أقدس وأقدم مدن الدنيا بنص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف فبنيت بعد الكعبة بأربعين عاما.
2- تبين أن اليبوسيين هم الذين عاشوا في القدس قبل ستة آلاف سنة وأن إبراهيم الخليل "عليه السلام" أتاها وكان ملكا عليها ملكي صادق اليبوسي قبل أربعة آلاف عام.
3- ثبت وبلا أدنى شك بأن القدس ثبتت أمام الغزاة ووقفت شامخة في وجه الغزو الإسرائيلي بقيادة يشوع بن نون هي والمدن الفلسطينية الربع الأخرى.
4- عندما احتلها داود سنة ألف قبل الميلاد عن طريق نفق عين سلوان سكن بنو إسرائيل بجانب أهلها اليبوسيين.
5- فتحها عمر بن الخطاب سلما وعاش أهلها بجميع عقائدهم متساوون في ظل العهدة العمرية مدة أربعة عشر قرنا – ما عدا – فترة الاحتلال الصليبي والصهيوني الحديث.
6- تنبه الفلسطينيون إلى الخطر الصهيوني في نهاية الفترة العثمانية ووقفوا بكل قواهم للحيلولة دون ذلك.
7- أسس الفلسطينيون المؤسسات والجمعيات وعقدوا المؤتمرات مبكرا وأشعروا العثمانيين بذاك الخطر كما شاركت المرأة في هذه الأنشطة.
8- انتهى العهد العثماني ووقف في وجه الهجرة اليهودية وحل الانتداب البريطاني الذي دعم المشروع الصهيوني بكل ما أوتي من قوة فالتقت المصالح الصهيونية والاستعمارية في هذا الجانب. حيث صدر وعد بلفور المشؤوم.
9- اندلعت الثورات المتتالية من قبل الفلسطينيين في أرجاء الوطن.
10- ظهور منظمة التحرير الفلسطينية بشكليها السياسي والعسكري.
11- تم احتلال بقية فلسطين وبقية القدس من قبل اليهود عام 1967م وواصل الفلسطينيون نضالهم ضد المحتل في الداخل والخارج.
12- "إسرائيل" تضرب بعرض الحائط جميع القرارات الدولية.
13- ظهور الحركات والتنظيمات الفلسطينية المسلحة التي على رأس أولوياتها مهما اختلفت أيديولوجياتها تحرير فلسطين بعامة والقدس بخاصة.
14- الشعب الفلسطيني يطور أساليب مقاومته فتنتقل الثورة الفلسطينية في جميع أنحاء الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتصبح الحركات الوطنية أكثر أهمية وشمولا.
15- بزوغ فجر الانتفاضة في نهاية الثمانيات من القرن الماضي وانتفاضة الأقصى التي شاركت فيها جميع فئات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع.
16- القدس في خطر من الإجراءات "الإسرائيلية" الرامية إلى تهويدها، والشعب الفلسطيني يواصل نضاله بشقيه السياسي والعسكري للحفاظ على عروبية فلسطين وإسلاميتها وتحرير القدس من المحتل الغاصب إن شاء الله
17- من الواضح أن "إسرائيل" ما زالت ممعنة في غيها وصلفها رامية بكل الأعراف والشرائع الدولية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني عرض الحائط، وعلى ما يبدو أن جميع الوسائل الدبلوماسية قد استنفذت من قبل المحتل فلم يبق أمام هذا الشعب إلا الكفاح والنضال وتطوير أساليب القتال لمواجهة هذا العدو المتغطرس الذي ينكر الحقوق.
مصادر والمراجع
1- القرآن الكريم
2- الحديث النبوي الشريف
3- التوراة
4- عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث
5- بيان نويهض الحوت، فلسطين: القضية، الشعب، الحضارة.
6- مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين.
7- رفيق شاكر النتشه وآخرون. تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر.
8- عارف العارف، تاريخ القدس،
9- عوديد أبيشار، سيفر حبرون.
10- تقرير لجنة شو البريطانية
11- مؤسسة الدراسات الفلسطينية : فلسطين تاريخها وحضارتها.
12- عبد التل، كارثة فلسطين.
13- مايكل هدسون، (مقال لكامل العسلي) تحويل القدس.
14- أحمد فوزي عبد الجبار : لقاء عند بوابة مندلبوم.
15- محمد رشيد عناب الاستيطان في القدس.
16- إبراهيم أبو جابر. القدس في دائرة الحدث
17- يوسف القرضاوي القدس قضية كل مسلم.
18- روجيه غارودي، فلسطين أرض الرسالات السماوية