Tuesday 22 February 2011

مدينة القدس.. تاريخ يعيد نفسه وآلام ما زالت تتجدد وسط الحلم بالحرية

 المصدر: بقلم/ مؤمنة معالي- صحيفة السبيل الأردنيّة:



حظيت القدس برعاية فائقة من الصحابة والخلفاء. في عام 685م، أكمل عبد الملك بن مروان بناء المسجد الأقصى وبنى قبة الصخرة بعد أنْ رصد لهذا البناء خراج مصر سبع سنوات. وتوفّي عبد الملك قبل انتهاء البناء فأكمل المسيرة نجله الوليد. تصدّع المسجد الأقصى عقب زلزال قوي ضرب المنطقة عام 747م، فسارع المسلمون لترميمه. وبعد تولّي المنصور زمام الخلافة أعاد الترميم مرة أخرى، وبعد عشرين سنة آل معظم المسجد للسقوط عقب زلزال ضخم، فقام المهدي بن أبي جعفر ببناء كامل للمسجد ووسعه.

وفي صورةٍ مفعمة بالتسامح، أصدر الخليفة هارون الرشيد -رحمه الله- قراراً يسمح للإمبراطور البيزنطي شارلمان بترميم كنائس القدس وبنائها، وسمح لهم بزيارة المدينة وأماكنها المقدسة.

خضعت مدينة القدس للحكم الفاطمي بعد الضعف الذي سيطر على الخلافة العباسية ولم تكنْ راضية عما يحدث في أرجائها من تجبّر من قِبَل الخليفة الحاكم بأمر الله وما قام به من هدمٍ لكنيسة القيامة وتلطيخ صورة التسامح الإسلامي.

بعد تدهور الحكم الفاطمي وتقلّصه سيطر السلاجقة والأتراك على القدس عام 1067، بدأت طبول الحرب الصليبية تدقّ لكسر شوكة المسلمين التي تجذّرت في المدينة. وبعد سلسلةٍ من المعارك قام الصليبيون باحتلال عددٍ من مدن الإمبراطورية الإسلامية إلى أنْ وصلوا إلى أبواب القدس عام 1098م، إثر تخاذل الحكام المسلمين آنذاك وعدم تعاونهم مع حاكم طرابلس الذي حاول جاهداً حشد دعمٍ يجابه به جيوش الفرنجة النصارى بعد أنْ فشلت محاولاته بالتصدّي لهم وحده.

تمكّن الصليبيون من اقتحام المدينة بعد معركة غير متكافئة دارت على أسوارها في ظلّ تخاذل المسلمين وعدم دعم المدينة بما تحتاجه من جيشٍ وعتاد. وفي 15/7/1099 دخل الفرنجة المدينة وقاموا بذبح المقدسيّين داخل المسجد الأقصى بعد أنْ احتموا به، وبحسب ما روى التاريخ فقد بلغ شهداء المجزرة ما يربو على مائة ألف.

تمادى الصليبيون في انتهاك الحرمات بعد خلوّ الساحة من رجلٍ يقف في وجه التمادي الفرنجيّ، فجعلوا الجزء الأساسي من المسجد كنيسة وخصّصوا الباقي مسكناً للفرسان وإسطبلاً للخيول وعاد للقدس أنينها وفي قلوب المسلمين سكن الحنين إليها. توالت الهزائم في ظل سيطرة النصارى الفرنجة على مدينة القدس مدة تجاوزت الـ88 عاماً، إلى أنْ جاءها صلاح الدين الأيوبي بصحبة جحفلٍ من جحافل المسلمين فتح به مدناً أسيرة عارضت طريق توجّهه إلى القدس، وبعد انتصاره في معركة حطين زحف نحو القدس وضرب عليها حصاراً خانقاً بتاريخ 20/9/1187م. وعندما شعر الصليبيون بقرب الهزيمة أرسلوا إلى صلاح الدين مهدّدين بقتل آلاف الأسرى المسلمين إن لم يسمحْ لهم بالخروج من المدينة بسلام، فوافق شريطة أنْ يخرجوا عزلاً من السلاح.

غنّت عصافير الحرية على أطلال المدينة التي عادت لها هويتها الإسلامية بعد محاولة التنصير الفاشلة، ودخل الأيوبيّ المدينة في السابع والعشرين من رجب عام 583 هـ، في ذكرى الإسراء والمعراج وسط تكبير الفاتحين. وبأمرٍ من الناصر صلاح الدين تم ترميم المسجد والقبة وحمل منبر نور الدين زنكي الذي بناه قبل 20 عاماً آملاً في أن ينقله للمسجد الأقصى.

حاول الفرنجة احتلال القدس من جديد إلا أنّهم فوجئوا بتمركز أعداد كبيرة من جند صلاح الدين فيها ففرّوا إلا أنّ حلم السيطرة بقي يراودهم.. كيف لا وهي القدس بكل ما تحمل كلمة القدس من معنى؟

في عام 1192م اعترف ريتشارد قلب الأسد بالقدس مدينة إسلامية لقاء بقاء مدن الساحل من صور إلى يافا بيده، وهذه الاتفاقية التي سمّيت بصلح الرملة وقّع عليها صلاح الدين مضطراً من أجل لمّ الصفوف بعد سنوات من المعارك التي أثرت في أداء الجيش الإسلامي.

في عام 1229م وفي خيانة واضحة لدماء الشهداء وقّع الملك الكامل اتفاقاً يقضي بتنازله عن القدس مقابل عدم مهاجمة مصر أو أيّ من ممتلكاته، وهكذا قُدّمت مدينة القدس على طبق من ذهب من أجل تحقيق مصالح الكامل وأغراضه الشخصية.

لم يرُقْ للناصر داود حاكم الأردن، سقوط القدس فجمع جيشاً من الخوارزميين قدّر عددهم بـ10 آلاف استطاعوا إرجاع المدينة عام 1239م بعد عشر سنوات من الأسر الصليبي.

تتابع مسلسل الخيانة وسياسة التسليم؛ ففي عام 1243 وافق العادل على تسليم القدس للفرنجة مقابل دعمهم له ضدّ ملك مصر ودخل الفرنجة مصر دون مقاومةٍ تذكر وأقاموا حفلةً للخمور تحت قبة الصخرة في تحدٍّ واضح للمسلمين. تحرّك الخوارزميّون للمرة الثانية تلبيةً لنداء القدس الذي سئِم الأنين وتمكّنوا من إرجاعها لحمى الإسلام عقب سنةٍ من الاحتلال بعد أسْر ستة آلاف من علوجهم الذين قُتِلوا بسيوف العزة ولم ينجُ منهم سوى 300. وبعد هذا الفتح بقيت القدس بيد المسلمين حتى عام 1917م.

عادت الذاكرة باليهود مشتاقة لأيام الأمجاد بسبب ما طرأ على الدولة العثمانية من ضعف، ولأنّهم فقهوا ما جهله العرب من أنّ المطالب لا تأتي بالتمنّي فقد قرّروا الزحف نحو الأراضي العثمانية تمهيداً لدخول فلسطين التي منعوا من دخولها بقرارٍ من فلسطينيّين. وبعد ضغوط مورست عليهم من قِبَل البريطانيين سمح لهم باستيطان الشمال الفلسطينيّ فقط، إلا أنّ بريطانيا ضاقت من مواقف السلطان عبد الحميد وعملت على دعم القرارات بعزله، وعزل فعلياً عام 1909م.

سقطت فلسطين بيد الإنكليز عام 1917م، لتبدأ معاناة أسْرٍ جديدة ما زالت مستمرة، وفور سقوطها وعد اليهود بها من قِبَل المدعو بلفور وزير الخارجية البريطاني مدشّناً به عهداً جديداً من الصراع بين الحق والباطل، بين الظالم والمظلوم.

No comments:

Post a Comment

شارك برايك