Sunday 20 February 2011

أخبار القدس في مراسلات العمارنة

المصدر: د.فاروق إسماعيل1-مجلة المعرفةالسورية عدد505 تشرين أول 2005م.

كشف منذ سنة 1887م في موقع تل العمارنة بمصر (شمالي أسيوط) عن مجموعة (أرشيف) من الوثائق الكتابية المسمارية التي تشكل أهم مصادر كتابة تاريخ بلاد الشام وعلاقاتها مع مصر خلال القرن الرابع عشر ق.م.
تشمل مراسلات العمارنة (350) رسالة تبادلها البلاط الملكي المصري خلال فترة حكم أربعة أو خمسة من فراعنة مصر: ولا سيما أمنوفس (آمون حوتب) الثالث والرابع، مع عدد من ملوك المماليك الكبرى في الشرق القديم (المملكة الكاشية في بلاد بابل، المملكة الآشورية في بلاد آشور، مملكة ميتاني الحورية في الجزيرة السورية، المملكة الحثية في بلاد الأناضول)، ومع عدد كبير من حكام مدن بلاد الشام الساحلية والداخلية المهمة: مثل خزّت (غزة)، عشقلونا (عسقلان)، لاكيش (تل الدوير)، أورسليم (القدس)، خاصور (نل القدح)، عكا، صور، صيدون (صيدا)، بيروت، جُبلا (جبيل)، أرواد، أوغاريت (رأس شمرا)، صمُرُ (تل الكزل)، كومد (كامد اللوز)، ومدن أخرى صغيرة في بلاد عمق (البقاع)، دمشق، مدن بين دمشق وبلاد جارو (شرقي بحر الجليل)، قِدشُ / قينزا / كينزا (قادش)، قطنا (تل المشرفة)، تونيب (في سهل العاصي الأوسط)، نُخَشّي (بين حماة وجلب). تضاف إليها مدن كثيرة صغيرة وأقل أهمية.
إنها تعود إلى القرن الرابع عشر ق.م (بين نحو 1361-1331 ق.م)، وقد دونت بالكتابة المسمارية واللغة الأكدية (اللهجة البابلية الوسيطة). وتضم رسالة واحدة باللهجة الآشورية (EA 15) واثنتين باللغة الحثية (EA 31.31).
يلاحظ في لغتها الأكدية التأثر والاضطراب، إذ تأثرت المرسلة من شمالي بلاد الرافدين وسورية باللغة الحورية، وضمت المرسلة من بلاد كنعان كثيراً من المظاهر اللغوية والمفردات الكنعانية. كما يلاحظ فيها الاضطراب في الاستخدامات اللغوية بين موقع وآخر. ويعود ذلك إلى عدم تمكن كتّاب الرسائل من اللغة الأكدية بحكم انتمائهم إلى أصول أخرى، فاستخدموا بشكل عفوي صيغاً ومفردات من لغاتهم الأم.
تتوزع رقم أرشيف العمارنة بين عدد من المتاحف، إذ يضم متحف برلين القسم الأكبر منه، كما توجد رقم منه في المتحف البريطاني بلندن ومتحف الأشموليان بأكسفورد ومتحف المتروبوليتان في نيويورك ومتحف اللوفر في باريس ويحتفظ متحف القاهرة بنحو خمسين رقيماً، وبوجد عدد قليل من الرقم لدى أشخاص هواة.
بدأ نشر نصوص الوثائق أول مرة في سنة 1889/1890م ، ثم أصدر كنودتسن Knodtzon نشراً شاملاً مفصلاً لها في 1915م، وما زال تسلسل النصوص في عمل كنودتسن معتمداً في الأبحاث العلمية .
ثم ظهرت دراسات عدة أعيد فيها نشر مجموعات من النصوص، وبعضها أطروحات جامعية . وآخر نشر شامل للوثائق هو مت انجزه ونشره موران W.I.Moran سنة 1978 بالفرنسية، ثم أصدره بالإنجليزية سنة 1992م. ثم أصدر ليفراني M.I.Livrani أحدث نشر في 1998/1999م وباللغة  الإيطالية .
تقدم وثائق العمارنة صورة شاملة عن الكيانات السياسية الصغيرة المتفرقة في بلاد الشام، وترصد طبيعة الصراع بين الممالك الكبرى وفي الشرق القديم حول السيادة على تلك الكيانات، وترسم ملامح العلاقات والتحالفات بينها، وتبين موقع الإمارات والمدن الشامية من ذلك .
وهي تعكس – بشكل عام – موقفين أساسيين، هما:
1- كانت الإمارات والمدن الساحلية الشمالية والداخلية محتارة في اختيار الحليف الأنسب للحفاظ على وجودها، ويبدو أن الموقف الطبيعي لديها كان يتمثل في الولاء والتعاون مع مصر أو ميتاني، ولكن القوة والعنف العسكري الحثي وظهور أزمات داخلية في مصر وميتاني كان يدفعها إلى الإذعان للسيادة الحثية والقبول بمعاهدات التبعية الجائرة. واضطرت إلى هذا الموقف – بشكل خاص – خلال فترة تولي شوبيلوليوما العرش الحثي وبراعته في إضعاف حكم ميتاني وإبعاد النفوذ المصري.
2- لم تعان مدن بلاد كنعان من ذلك كثيراً، ورضيت بالسيادة المصرية، وأذعن حكامها لتعليمات البلاط الملكي المصري وقرارات موفديه ومراقبيه، وتباروا في إظهار الوفاء والولاء، وأرسلوا الجزية والهدايا إلى العاصمة المصرية أختياتون (تل العمارنة)، وتنافسوا فيما بينهم في أساليب نيل ثقة الفرعون المصري. وقد أدى ذلك إلى اقتتالهم وعدم حصول تحالفات ذات شأن بينهم كان ذلك على الرغم من حقيقة اختلاف حكام تلك المدن في صفاتهم، فقد كان منهم المخلص لمصر، ومنهم المنافق المهيأ للخيانة حفاظاً على حكمه، ومنهم الدبلوماسي البارع الذي يكسب صداقة المراقبين المصريين، ويقوي في الوقت ذاته حكمه، ويتوسع في الأراضي المجاورة. ويبدو أن المصري وحكام المدن كانت تكمن في انصراف المراقبين الملكيين المصريين – الذين كانوا يشكلون حلقة الوصل – إلى تحقيق مكاسب شخصية، ولذلك أخفق الحكام المخلصون – كحكام أورسليم – في التمتع بدور يتناسب ووفاءهم الحقيقي، ولم تفدهم رسائلهم التي تضمنت وصفاً صادقاً صريحاً لصورة الأوضاع في بلاد كنعان. لأن البلاط كان في النهاية يعتمد ويثق بتقارير مندوبيه إلى المنطقة.
كانت مدينة أورسليم قائمة من قبل ولن نخوض في المعطيات الأثرية الدالة على بداية نشأتها وتطورها. ولكن يبدو أنها كانت خلال فترة العمارنة (القرن الرابع عشر ق.م) مدينة مزدهرة، ومستقلة الحكم، وتتبع لها المناطق القريبة المحيطة بها، ويحكمها ملك يدعى عبدي خبا Abdi-Heba.
لا تذكر المدينة في أية وثائق كتابية سابقة تاريخياً. وتوجد ضمن مراسلات العمارنة سبع رسائل مرسلة من عبدي خبا إلى الفرعون المصري أمنوفس الرابع (أخناتون) (1352-1336ق.م)، وهي الرسائل EA 285-291، كما يرد ذكر عبدي خبا في الرسالة EA 280 المرسلة من شو ورداتا حاكم مدينة قِلتُ القريبة من أورسليم.
وسنعرض فيما يأتي ترجمة الرسائل المذكورة :
العمارنة 285
- الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقم، 1601 نشر استنساخ نصه في سنة 1889/1890م (WA 174) ثم في سنة 1915م (VS 11.161). ويبلغ طول الباقي من النص /30 سطراً /، وترجمته هي:
قل للملك، سيدي. هكذا يقول عبدي خبا خادمك: أجثوا على قدمي الملك سيدي سبعاً ثم سبع مرات.
5) انظر! أنا لست حاكماً، بل رجلاً مجنداً لدى الملك سيدي. لماذا لم يرسل الملك سيدي رسولاً بأقصى سرعة، كما كان يرسل سابقاً في مثل هذه الأحوال؟
10) لقد أرسل ينخم قوة عسكرية إلى هنا، وهي لم تغادر البيت الذي أريده بعد. والآن - بالنسبة إلي – ليت الملك يهتم بأمر عبدي خبا خادمه.
15) إن كانت لا توجد قوة عسكرية فليرسل الملك سيدي مراقباً عاماً، فيجمع الحكام حول نفسه.
20)..... بلدان الملك... والرجال.... أم أفراد الحامية العسكرية التي تتبع أدايا المراقب العام للملك.
25) فأنا أريد مقرهم. ولذلك ليت الملك يهتم بأمرهم، وليرسل رسولاً بسرعة عندما
30) أموت، ماذا.......
العمارنة 286
- الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقم 1642. استنساخ نصه منشور في WA 102; VS 11,162 ويبلغ طول النص /64/ سطراً. وترجمته هي:
قل للملك سيدي. هكذا يقول عبدي خبا خادمك : أجثو على قدمي الملك سيدي سبعاً ثم سبع مرات.
5) ماذا فعلت للملك، سيدي؟ إنهم بشون بي، أُذم أمام الملك، سيدي، (يقولون:) (عبدي خبا متمرد ضد الملك، سيده). انظر! أنا لم يضعني أبي
10) ولا أمي في هذا المكان، بل إن يد الملك القوية هي التي أدخلتني إلى بيت أبي. لماذا أفعل
15) فعلاً منكراً تجاه الملك، سيدي؟! مادام الملك، سيدي يحيا سأقول للمراقب العام (رابص) المكلف من الملك، سيدي: لماذا تحبون العفيرين (الخبيرو) ، وتكرهون  الحكام التابعين؟
20) ولذلك أُذمّ الملك سيدي.لأني أقول: (مخربة بلدان الملك، سيدي حقاً) لذلك أُذم أمام الملك، سيدي.
25) وليعلم الملك، سيدي أنه بعد أن وضع الملك، سيدي حامية عسكرية (هنا)، أخذ ينخم كل أفرادها.....
30) ........بلاد مصر. أيها الملك، سيدي، لم تعد هناك حامية عسكرية. فليت الملك يهتم ببلاده.
35) فليهتم الملك ببلاده. إن بلدان الملك، سيدي منشقة (عن أوامره) كلها. إيلي ملكو دمر بلاد الملك كلها، فليهتم الملك، سيدي ببلاده. أنا أقول: (سأذهب
40) إلى الملك، سيدي، وأرى عيني الملك سيدي)، ولكن الحرب قوية ضدي، فلا أستطيع الذهاب إلى الملك، سيدي. ليت ذلك يلقى قبولاً لدى الملك.
45) ليته يرسل حامية عسكرية فأذهب وأرى عيني الملك، سيدي. مادام الملك، سيدي يحيا، ومادام المراقبون العامون ينسحبون فسأظل أقول (لهم): (مخربة بلدان الملك).
50) (ولكن) أنتم لا تصغون إلي، كل الحكام التابعون محطمون، ليس هنا حاكم تابع للملك سيدي، ليلتفت الملك إلى القوات العسكرية، ولينطلق جند
55) الملك، سيدي إلى هنا. لم تعد هناك بلدان تابعة للمك، العفيرون نهبوا بلدان الملك كلها. إن وجدت قوة عسكرية (هنا) في هذه السنة فإن بلدان الملك ، سيدي ستظل قائمة، وإن لم توجد قوة عسكرية
60) فإن بلدان الملك، سيدي ستؤول إلى خراب.
قل لكاتب الملك، سيدي، هكذا يقول عبدي خبا خادمك: أواصل (هذه) الكلمات الجميلة إلى الملك، سيدي: (مخربة بلدان الملك، سيدي كلها)
العمارنة 287
- الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقم 1644. واستنساخ نصه منشور في Wa 103;Vs 11.163 يبلغ طول النص /78/ سطراً، وترجمته هي:
قل للملك سيدي، هكذا يقول عبدي خبا خادمك:أجثو على قدمي سيدي سبعاً ثم سبع مرات. انظر إلى الموضوع كاملاً ملكي إيلو وتاجي
5) أدخلا قوات إلى مدينة قِلت لمواجهتي. انظر إلى الفعل الذي فعلاه بخادمك. السهام...
10).......ادخلا إلى مدينة قِلت. ليعلم الملك أن البلدان كلها في سلام (مع بعضها)، ولكن الحرب دائرة ضدي، فلهيتم الملك ببلاده. انظر إلى بلاد مدينة جزر، بلاد مدينة عشقلونا
15) ومدينة لاكيس. لقد أعطوهم طعاماً وزيتاً وأية حاجات أخرى، فليهتم الملك بالقوة العسكرية. ليرسل قوة عسكرية لمحاربة الرجال الذي اقترفوا أفعالاً منكرة ضد الملك، سيدي.
20) إن وجدت قوة عسكرية (هنا) في هذه السنة، فإن البلدان والحكام التابعين سيكونون مع الملك، سيدي، وإن لم توجد قوة عسكرية، فلن تكون هناك بلدان ولا حكام مع الملك.
25) انظر إلى بلاد مدينة أورسليم، لم يعطها لي أبي ولا أمي، بل إن يد الملك القوية هي التي أعطتنيها. أمعن النظر إلى الحدث، إنه فعل ملك إيلو
30) وفعل أبناء لبآيو، وهم الذين أعطوا الملك إلى العفيرين. انظر، أيها الملك، سيدي، أنا على صواب. فيما يتعلق بالرجال الكوشيين، ليستفسر الملك من المراقبين العامين عما إذا كان البيت المتين متيناً حقاً؟!
35) لقد سعوا إلى ارتكاب عمل منكر فظيع جداً، إذ أخذوا أدواتهم، وتوجب على أن أبحث عن وسيلة لدعم السقف. فإن كان سيرسل قوات مساعدة إلى أورسليم، فليتها تأتي مع قوات الحامية العسكرية.
40) من أجل خدمة منتظمة. ليت الملك يهتم بهم، كل البلاد يمكن لن تشهد عسراً أليماً في قبضتهم، ليت الملك يستفسر عنهم، ليصر هناك طعام كثير، زيت كثير، لباس كثير
45) حتى يأتي فورو المراقب العام للملك إلى بلاد مدينة اورسليم. لقد مضى أدايا مع جنود الحامية العسكرية الذين قدمهم الملك له. ليعلم الملك أن أدايا قال لي:
50) (اعلم أن (الملك) أمرني بالرحيل). يا سيدي لا تهجرها (مدينتي)، بل أرسل على هنا هذه السنة حامية عسكرية، و (كذلك) أرسل المراقب العام للملك. لقد أرسلت إلى الملك، سيدي، (كهدية).... أسرى، خمسة آلاف...
55) ...ثمانية حمالين لقوافل الملك، سيدي، ولكنهم اخذوا في الريف (القريب من) مدينة أيلونا. ليعلم الملك، سيدي، أني لست قادراً على إرسال قافلة إلى الملك سيدي! (أضف ذلك) إلى معلوماتك!
60) انظر! لقد ثبت الملك اسمه في بلاد أورسليم إلى الأبد، وهو لا يستطيع تركها، بلدان مدينة أورسليم.
65) هكذا يقول عبدي خبا خادمك، أجثو على قدميك، أنا خادمك. أوصل (هذه) الكلمات الجميلة إلى الملك، سيدي، جندي الملك أنا،
70) أنا لك دائماً.
ولتحمل مسؤولية الفعل المنكر على عاتق رجال بلاد كوش. لقد كدت أُقتل مراراً بيد الرجال الكوشيين
75) في داخل بيتي. ليت الملك يسأل عنهم، ليت الملك، سيدي يدعمني سبعاً ثم سبع مرات.
العمارنة 288
- الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقم 1643. واستنساخ نصه منشور في WA 103;VS 11.164 ويبلغ طول النص /66/ سطراً، وترجمته هي:
قل للملك، سيدي، شمسي، هكذا يقول عبدي خبا خادمك: أجثو على قدمي الملك سيدس سبعاً ثم سبع مرات.
5) انظر! إن الملك، سيدي، اسمه مثبت على (موضع) مشرق الشمس ومغرب الشمس. إن ما ارتكبوه عمل شرير. انظر! أنا لست حاكماً، بل  جندياً لدى الملك سيدي.
10) انظر! أنا صديق الملك، وأنا أُحضر جزية الملك، لا أبي ولا أمي، بل يد الملك القوية
15) (هي التي) وضعتني في بيت أبي ... وصل إلى ... سلمت عشرة عبيد باليد. شوتا، المراقب العام للملك، وصل
20) إلي، سلمت إلى يد شوتا إحدى وعشرين فتاة (و) ثمانين أسيراً، هدية الملك سيدي. ليت الملك يفكر بأمر بلاده، فبلاد الملك كخربة كلها.
25) أنا محتل، الحرب دائرة ضدي حتى مناطق بلاد شرت، حتى مدينة جينتي كرمل. كل الحكام (يعيشون) في سلام، وأنا الحرب دائرة علي. أنا أعامل مثل واحد من العفيرين.
30) ولم أر عيني الملك سيدي، لأن الحرب دائرة ضدي. أنا في وضع كالسفينة في عرض البحر. يد الملك القوية.
35) احتلت بلاد نخريما وبلاد كاسي (كوش)، (ولكن هاهم) العفيرون الآن يحتلون مدن الملك.لم يعد هناك حاكم واحد تابع
40) للملك سيدي، الجميع انهاروا. انظر! توربازو قُتل عند بوابة مدينة سيلو، والملك لم يفعل شيئاً. انظر! زمريدا (حاكم) مدينة لاكيس ضربه الخدم الذين التحقوا بالعفيرين بعنف.
45) يفتخ أدا قُتل عند بوابة مدينة سيلو، والملك لم يفعل شيئاً. لماذا لم يسألهم الملك عن السبب؟ فليهتم الملك ببلاده، وليلتفت الملك إليها، ولتمطلق
50) قوة عسكرية إلى بلاده. إن لم توجد قوة عسكرية (هنا) في هذه السنة فإن كل بلدان الملك سيدي ستصير مخربة مبادة. غنهم لم يخبروا الملك سيدي
55) بأن بلاد الملك سيدي مخربة، والحكام محطمون كلهم. إن لم توجد قوة عسكرية (هنا) في هذه السنة فليرسل الملك مراقباً عاماً، فيأخذني
60) أنا شخصياً، وكذلك أخوتي، وبعدها دعنا نموت قرب الملك سيدنا.
إلى كاتب الملك، سيدي، هكذا يقول عبدي خبا الخادم: أجثو على قدميك. أوصل الكلمات التي عرضتها إلى الملك سيدي: أنا خادمك وابنك. 
العمارنة 289
- الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقمين 2709+1645.واستنساخه منشور في WA 105+199; VS 11.165 ويبلغ طول النص / 51 / سطراً، وترجمته هي:
قل للملك سيدي، هكذا يقول عبدي خبا خادمك، أجثو على قدمي سيدي سبعاً ثم سبع مرات.
5) انظر! ملكي إيلو لا ينفصل عن أبناء لبآيو وعن أبناء أرساوا (معلنين) عن المطالبة ببلاد الملك لأنفسهم حاكم صار بمارس (مثل) هذا الفعل!
10) فلماذا لا يحقق الملك معه؟! انظر! هذا هو الفعل الذي فعله ملكي إيلو وتاجي، لقد احتلا مدينة روبوت. والآن (فيما يتعلق ﺑ) مدينة أورسليم،
15) إن كانت هذه البلاد تعود للملك، فلم لا تكون ضمن اهتمام الملك مثل مدينة خزات؟ انظر! مدينة جينتي كرمل تخص تاجي، ورجال مدينة جينتي
20) محاصرون موجودون في بيت ساني. فهل يتوجب علينا أن نفعل مثلما (فعل) لبآيو عندما أعطى بلاد شكم على العفيرين؟
25) ملكي إيلو كتب إلى تاجي وأبناء (لبآيو) (قائلا:ً) (ليكن الطرفان كلاكما سنداً، امنحوا رجال مدينة قلت مطالبهم، ودعونا نفصل مدينة أورسليم).
30) أدايا أخذ رجال الحامية العسكرية الذين أرسلتهم ليكونوا تحت أمرة خايا بن مياري، إنه ساكن في بيته في مدينة خزات، وقد أرسل عشرين رجلاً إلى مصر.
35) ليعلم الملك انه لا توجد لدي حامية عسكرية ملكية! لذلك – ليحيا الملك – فإن فوؤرو مراقبه العام حاد من أمامي،
40) وهو موجود في مدينة خزات. فليقل الملك (ذلك) أمامه (عندما يصل)، وليرسل الملك حامية عسكرية مؤلفة من خمسين رجلاً لحماية البلاد، إن بلاد الملك كلها منفصلة عنه!
45) أرسل ينخم، وليهتم ببلاد الملك، سيدي.
إلى كاتب الملك، سيدي، هكذا يقول عبدي خبا خادمك:
50) أوصل إلى الملك: دائماً وبقوة أنا لك، خادمك.
العمارنة 290
- الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقم 1646. واستنساخه منشور في WA 106;VS 11.166، ويبلغ طول النص / 30 / سطراً، وترجمته هي:
إلى الملك سيدي، قل: هكذا يقول عبدي خبا خادمك: أجثو على قدمي الملك سيدي سبعاً ثم سبع مرات.
5) انظر إلى الفعل الذي ارتكبه ملكي إيلو وشو ورات بحق بلاد الملك، سيدي. لقد نظما قوات مدينة جزر (و) قوات مدينة جيمت
10) وقوات مدينة قِلت. إنهما يحتلان بلاد مدينة روبوت، يفصلان بلاد الملك لصالح العفيرين. والآن، إضافة إلى ذلك
15) مدينة اسمها بيت نينورتا تابعة لبلاد أورسليم، مدينة تابعة للملك انفصلت وصارت إلى جانب رجال مدينة قِلت. ليت الملك يهتم بأمر عبدي خبا خادمك،
20) وليته يرسل قوة عسكرية، ولتعد بلاد الملك إلى الملك. وإن لم تكن هناك قوة عسكرية فإن بلاد الملك ستنفصل (وتتبع) العفيرين.
25) هذا الفعل بحق البلاد كان بأمر ملكي إيلو وبأمر شو وردات، (و) مع مدينة جينتي. فليهتم
30) الملك ببلاده.
العمارنة 291
- الرقيم محفوظ في متحف برلين بالرقم 1713. واستنساخه منشور في VS 11.167
هناك ثمانية أو تسعة سطور مخربة في البداية، وكذلك سطور يصعب تحديد عددها في النهاية. وما وصلنا من الرقيم سيء الحالة، ويصعب تقديم ترجمة مترابطة للكلمات والجمل المتفرقة في النص. ولكن شكل الرقيم والعلامات الكتابية والأسلوب التعبيري في ما تبقى من النص يدعو إلى التأكيد على أنه بقية رسالة لعبدي خبا حاكم أورسليم.
العمارنة 280
- الرقيم محفوظ في المتحف المصري بالقاهرة (12213) 4772، واستنساخه منشور في WA 100. يبلغ طول النص /40/ سطراً، وهو يتضمن رسالة من شوردات حاكم مدينة قِلت الصغيرة القريبة من اورشليم إلى الفرعون أمنوفس الرابع. وهو مرسل ست رسائل أخرى إلى البلاط المصري (EA 278-284)، كما يرد ذكره في ثلاث رسائل أخرى (EA271:2; 290:26,27;366:3). ويبدو أن مدينته كانت في الأصل تابعة لأورسليم، وحاول الانفصال عن سيادتهما وترجمة الرسالة هي:
قل للملك، سيدي، إلهي وشمسي ما يأتي: هكذا يقول شووردات
5) خادمك، غبار قدميك: على قدمي الملك سيدي، إلهي، شمسي، أجثو سبعاً ثم سبع مرات. الملك سيدي سمح لي
10) بإثارة الحرب في مدينة قِلت، وقد أثرت الحرب حقاً. لقد صارت تتخذ موقفاً مسالماً نحوي، مديني أعيدت
15) إلي. لأي سبب كتب عبدي خبا (بعد ذلك) إلى رجال مدينة قِلت: (خذوا فضة، و
20) سيروا خلفي)؟ وليعلم الملك سيدي أن عبدي خبا أخذ مدينتي من قبضتي أمر ثانٍ:
25) ليسأل الملك، سيدي إن كنت قد أخذت منه رجلاً أو ثوراً أو حماراً! فإن تم ذلك فهو على حق.
30) أمر آخر، إن لبآيو ميت، وهو الذي كان يحتل مدننا. و(لكن) الآن هاهو لبآيو آخر (يظهر)، إنه عبدي خبا، و
35) هو الذي يحتل مدناً. فليهتم الملك بخادمه بسبب هذا الفعل! ولن أفعل شيئاً حتى يرسل جواباً
40) إلى عبده.
تصور الرسائل فترة قصيرة من تاريخ مدينة القدس، إذ تقتصر على فترة حكم عبدي خبا فيها. ويستشف منها أن الإطار الجغرافي الخاضع لحكمه كان يشمل المناطق القريبة من القدس في الشمال والغرب، حيث كانت تمتد بعدها الأراضي التابعة لكل من أيالونا (يلو) وجزر (تل الجزر) على الطريق بين القدس ويافا.
أما في الجنوب الغربي فيبدو أن مدينة قِلت كانت حدودية، ويمكن افتراض منطقة وادي السرار حداً جنوبياً. ولكن يبدو أن الامتداد الأوسع لمناطق القدس كانت في جهة الشمال الشرقي والشرق، وشمل مناطق جنوبي البيرة – أريحا وسائر المناطق التي تفصلها عن البحر الميت.
يبدو أن أبرز مدينتين كانتا تقعان ضمن إطار إمارة القدس هما:
1- مدينة قِلت في الجنوب الغربي، وقد نجحت في الانفصال – كما تشير الرسالة 280 -، ثم استعادها عبدي خبا بعد أن كسب قسماً من سكانها وأغراهم بالفضة فتبعوه، وأنهوا تمرد شو وردات وانفصاله فيها. ولكن رسالة أخرى (290) تشير إلى استقلالها النهائي. وتعاون حاكمها مع حاكم جزر المدعو ملكي إيلو (أو: إيلي ملكو) الذي كان يقود حلفاً مضاداً لحاكم القدس في الشمال والغرب، ولذلك يمكن فهم ضم شو وردات حاكم قِلت إلى ذلك التحالف كمحاولة لمحاصرة القدس، وقطع طريق اتصالها بالبحر وبالمندوب الملكي المصري في غزة.
2- مدينة بيت نينورتا التي ذكرت الرسالة 290 أنها كانت تابعة لأورسليم (القدس)، ولكنها انفصلت أيضاً، وانضمت إلى المنفصلين في قِلت. ويبدو أن ملكي إيلو حاكم جزر كان له دور في ذلك. ويصعب تحديد موقعها لأنها لا تذكر في أية رسالة أخرى، ولكن يرجح أنها تقع بين جزر وقِلت في مناطق غربي القدس.
لا تذكر الرسائل أي تحالف عقدته أورسليم مع المدن الكنعانية، بل كان عبدي خبا مستاءاً من سياستها، ولا سيما المدن الشمالية التي كان حكامها يخططون بهدوء للتخلص من السيادة المصرية، ويسخرون مجموعات العفيرين لتحقيق هدفهم بشكل غير مباشر.
فقد كان ملكي إيلو حاكم جزر قد تحالف مع حاكمي شكم (نابلس) وجنيتي كرمل (منطقة الكرمل).
وبدأ يسعى إلى مد نفوذه في المناطق التابعة لأورسليم. وتبنى نهجاً دبلوماسياً ذكياً في تحقيق غرضه، إذ كان يوثق علاقاته بالمندوبين والمراقبين المصريين في البلاد ويستميلهم ويظهر لهم ولاءه وصدقه، ويقوم في الوقت ذاته باستمالة جماعات العفيرين المنتشرين وتكليفهم بشكل سري ومأجور بتنفيذ أعمال عدائية ضد المصالح المصرية، ثم يوقفهم ويضع لهم حداً، ويظهر نفسه مدافعاً وفياً عن مصالح البلاط المصري فيكافأ بضم المناطق التي عبث فيها العفيرون إلى مناطق نفوذه.
ويبدو أن هذا الأسلوب المخادع كان ينطلي على المصريين، أو أنهم ما كانوا يعبؤون بازداوجية موقفه وأتباعه، طالما أنهم يقدمون الجزية المنتظمة، ولا يقلقون البلاط المصري بطلبات الاستغاثة والعون.
وبذلك كانوا يختلفون تماماً عن عبدي خبا حاكم أورشليم الذي كان مباشراً صريحاً لا يجيد المناورات، ويفكر في المصلحة العامة أكثر من الخاصة. فقد كان عبدي خبا لا يحسن جذب المراقبين والمندوبين المصريين واستمالتهم بهدايا خاصة، ويحرص على أن تصل جزية بلاده إلى البلاط المصري، ويوافيه بتقارير صريحة عن الوضع السيئ للبلاد. يكشف فيها عن تخريب العفيرين وتعاون حكام المدن الكنعانية معهم، ولذلك تكاد لا تخلو رسالة من رسائله من عبارات مثل (مخربة بلدان الملك سيدي حقاً، ليهتم الملك ببلاده، بلدان الملك سيدي منشقة عن أوامره كلها. ليس هناك حاكم تابع للملك، لم تعد هناك بلدان تابعة للملك، العفيرون نهبوا بلدان الملك كلها، بلدان الملك سيدي ستؤول إلى خراب، إن لم توجد قوة عسكرية فلن تكون هناك بلدان ولا حكام مع الملك، لم يعد هناك حاكم واحد تابع للملك سيدي، الجميع انهاروا، كل بلدان الملك سيدي ستصير مخربة مبادة، بلاد الملك سيدي مخربة، لحكام محطمون كلهم، بلاد الملك كلها منفصلة عنه، إنهما يفصلان بلاد الملك لصالح العفيرين، لتعد بلاد الملك إلى الملك، إن بلاد الملك ستنفصل وتتبع العفيرين).
وبسبب موقفه هذا كان ملكي إيلو زعيم التحالف الشمالي يسعى إلى تضييق الخناق عليه من الشمال والغرب والجنوب الغربي ليقطع إمكانية وصوله إلى البحر فالبلاط المصري، ولمنع تواصله مع غزة التي كانت مركز المراقبة المصرية الأساسي في جنوبي بلاد كنعان، وكذلك إعاقة سفره إلى مصر ومقابلة الفرعون (العمارنة 286).
كان المندوب المصري في غزة – كذلك في كل من كومد وصمر- يمثل الفرعون، ويمارس مهمة مراقبة الحكام المحليين في البلاد وحماية مدنهم ورعاية شؤونهم، وجمع الجزية منهم. وكان هذا يعتمد على مراقبين مصريين يتلقون منه التعليمات. ويبدو انه هؤلاء المراقبين كانوا سبب الخلل في طبيعة العلاقة بين الإدارة المصرية المركزية والحكام التابعين في بلاد كنعان، لأنهم كانوا يستغلون عدم المتابعة الجادة لتصرفاتهم فيخضعون التعليمات لتفسيراتهم الخاصة ويمارسون ما يحقق مصالحهم الذاتية.
وكان ذلك يعود بالضرر على عبدي خبا الذي لم يرض المراقبين الذين كانوا يشكلون حلقة الوصل المباشرة، فأخفق في إيصال حقيقة مواقفه ومشاعره إلى المندوب المصري في غزة، ومن ثم إلى البلاط المصري.
لقد عبر في رسائله مراراً عن وفائه للبلاط المصري، إذ أكد على تبعيته. ووصف نفسه بالرجل المجند لدى الملك (288،285) وبصديق الملك (288) وخادمه (289). ويبين أنه استلم حكم المدينة باختيار وتعيين من الملك، ولم يرثه عن أبيه (288،287،286)، كما أوضح التزامه بدفع الجزية المفروضه عليه، وإرسال الهدايا إلى البلاط (288،287)، وأخبر الملك بإهمال المراقبين له، كما فعل فورو الذي مر ببلاده، وحاذ عن لقائه (289)، اشتكى من وشايتهم ومن الصورة الكاذبة التي ينقلونها عنه، إذ يعلمون الملك بأنه متمرد ضده (286)، واشتكى من وضع البلاد، وطالب مراراً بإرسال حاميات عسكرية لإنقاذ الوضع (290،289،288،287)، ويبدو أن الحاميات العسكرية وصلت أحساناً، ولكنها لم تفعل شيئاً (287،285).
لقد كان عبدي خبا يعلم في داخله أن صدقه وصراحته المزعجة للمراقبين هي التي تدفعهم إلى تشويه صورته وذمه أمام الملك، ومع ذلك يصر في الرسالة 286 على قول ( مادام الملك سيدي يحيا سأقول للمراقب العام (رابص) المكلف من الملك سيدي: لماذا تحبون العفيرين، وتكرهون الحكام التابعين؟!) وكذلك على إقرار حقيقة أن بلدان الملك مخربة حقاً.
وهنا تصل صراحته المبنية على الوفاء الزائد إلى درجة العناد والتحدي، ويبدو أنه كان يدفع ضريبة موقفه هذا. وبذلك اجتمعت ضده مصالح حكام المدن الكنعانية في شمال فلسطين، وأتباعهم العفيرين، وأنصارهم من المراقبين المصريين، وسعوا جميعاً إلى ردع تنامي قوته، وتشويه صورته في البلاط المصري ومنع وصوله إليه.
ولذلك بقيت أورسليم في الظلال، ولم تلعب دوراً متميزاً في مناطق فلسطين الداخلية خلال الفترة التي ترصدها مراسلات العمارنة، ولعل خير ما يعبر عن ذلك قوله في الرسالة 288 (أنا أُعامل مثل واحد من العفيرين) (أنا في وضع كالسفينة في عرض البحر). ويبدو أنه كان يدرك صعوبة التخلص من الضغوط المحيطة به. لذا تمنى أن يرسل الملك من يأخذه ومعه إخوته إلى مصر ليموتوا قرب الملك (288).
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 قائمة المصادر:
1- مختص في لغات وحضارات الشرق القديم.أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة حلب.
 2 - H.Wincker und L.Abel:Der Thontafel-fund von El Amarna.Mitteilungen aus den Orientalischen Sammlungen.
 3 - J.A.Kundtzon: Die EL-Amarna-Taflen.
 4 - William Moran: The Amarna Letters
 5 - M.Liverani: Le Lettere di el-Amarna Brescia,Vol.1-1998 2-1999
 6 - للاستزادة راجع بحثنا المذكور في الحاشية السابقة
 7 - ترجمة هذه الرسائل هي جزء من مشروع علمي أقوم بإنجازه، ويتمثل في نشر مجموع وثائق العمارنة باللغة العربية.
 8 - نقترح تسمية العفيرين كصيغة عربية مقابلة لتسمية Hapiru الأكدية، منطلقين من اعتماد الجذر اللغوي (ع ف ر )، حيث تعبر العين عن الخاء، والفاء معجمة، وهما تبدلان صوتيان شائعان في اللغات السامية القديمة. كما أن معاني الجذر (ع ف ر) في العربية تتناسب والصفات العامة لمجموعات الخبيرو في النصوص الأكدية.

No comments:

Post a Comment

شارك برايك