Wednesday, 16 March 2011

البيان الختاميّ للمؤتمر الرابع لمؤسسة القدس والملتقى الثانيّ للشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس

في ربوع اليمن الغالي، بلد الإيمان والحكمة، وفى رحاب صنعاء الشامخة بالإباء والعنفوان، وبرعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية اليمنية المشير علي عبد الله صالح، وباحتضانٍ أصيلٍ من شعب اليمن بكل قادته وقواه وأحزابه وألوان طيفه الاجتماعيّ والسياسيّ.

انعقد المؤتمر الرابع لمجلس أمناء مؤسسة القدس برئاسة رئيس المجلس، سماحة الشيخ يوسف القرضاويّ، وحضور نائبيْه، معالي الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر- رئيس مجلس النواب اليمنيّ، وسامحة السيد على أكبر محتشمي- مستشار رئيس مجلس الشورى الإسلاميّ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة سماحة الشيخ فيصل مولوي، وأمينها العام الدكتور محمد أكرم العدلوني، وأعضاء مجلس الإدارة، والأمناء القادمين من العديد من الدول العربية والإسلامية، وبلدان المهاجر العربية والإسلامية، والذين يمثّلون الأمة العربية والإسلامية بكلّ مكوناتها الدينية والقومية والاجتماعية، وبحضور عددٍ من رموز المقاومة الباسلة والمجاهدة في فلسطين والعراق ولبنان.

وقد انعقد في الفترة ذاتها الملتقى الثاني للشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس، والتي تضمّ أكثر من 70 جمعية ومؤسسة وهيئة عاملة للقدس في كلّ بلدان الأمة ومهاجرها؛ حيث عرضت الجمعيات المنضوية في إطار الشبكة برامجها ومشاريعها، وأقرّت الميثاق الخاص بالشبكة، وآليات التنسيق، واختارت المنسق العام وأعضاء المنسقية العامة للشبكة.

وعلى مدى ثلاثة أيام في الفترة من 4-6 من ديسمبر 2005م/الموافق 2-4 من ذي القعدة 1426هـ، جرت في المؤتمر، كما في الملتقى، نقاشات ومداولات يتّصل بعضها بقضية القدس بكلّ دلالاتها وأبعادها، وبعضها يتّصل بالمشاريع التي أنجزت، أو هي قيد الإنجاز، من أجل إنقاذ القدس والحفاظ على عروبتها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ودعم جهود أهلها في وجه مخططات التهجير والتهويد والتدنيس التي تنفّذها سلطات الاحتلال الصهيونيّ وسط مواقف عربية ودولية تتراوح بين الصمت والعجز والتواطؤ والدعم للاحتلال.

أولاً: رسائل المؤتمر والملتقى

لقد رأى المجتمعون في اجتماعهم الموسّع، سواءً من موقعهم كأمناء مؤسسة مدنية جامعة، تضمّ في هيئاتها كلّ مكوّنات الأمة، والتي جاءت ثمرة التلاقي الصادق بين تيارات الأمة وقواها الرئيسة، الإسلامية والقومية، وثمرة التفاعل الصادق بين مسلمي الأمة ومسيحيّيها، بين أهل السنة والشيعة، بين العرب والعجم، أو من موقعهم كممثلين للمؤسسات الأعضاء في شبكة المؤسسات العاملة للقدس، أنّ هذه المؤسسة هي تأكيدٌ على أنّ للمقاومة والجهاد مستويات عدة، وأشكالاً متنوعة، وأنّ الجهاد المدنيّ بما يوفّره من مقوّمات الصمود لأبناء القدس وفلسطين، وبما يجهّزه من وسائل وآليات لمعالجة هموم الناس ومعاناتهم، وبما يتيحه من فرص لمساهمة كلّ شرائح الأمة في تأدية الواجب الشرعيّ والقومي والوطنيّ، يشكّل سندًا ومددًا للمقاومة المجاهدة، وجهدًا متكاملاً مع جهودها وتضحياتها، وإصرار مؤسسة القدس على طابعها المدنيّ هو مظهر أصيل من مظاهر التطوّر في عقل الأمة وفكرها وقواها الحيّة من خلال الاعتماد على العمل المؤسسيّ والتخصّصي.

ووجّه المجتمعون من موقعهم هذا جملة من الرسائل إلى جهات عدة:

الرسالة الأولى:

موجّهة لأهلنا الصامدين في القدس، محضن أولى القبلتين وثالث المساجد التي تشدّ إليها الرحال، أمّ الكنائس، ومدينة السلام والرسالات والمقدسات، بأنّ أبناء أمتهم العربية والإسلامية باقون على العهد، مصمّمون على الاستمرار في دعم صمودهم ومساندتهم في مواجهة المخططات الهادفة إلى تهويد القدس وطمس هويتها، حتى تستعيد عروبتها، وتتحرر مقدساتها الإسلامية والمسيحية.

الرسالة الثانية:

إلى شعبنا المقاوم في فلسطين يؤكّد من خلالها المجتمعون القادمون من كلّ أطراف الأمة، وجهات الدنيا الأربع، أنّ القدس هي جوهرة فلسطين وجوهر القضية الفلسطينية التي هي بدورها القضية المركزية لكلّ عربيّ ومسلم وحر في هذا العالم، والتي هي أيضًا بوابة الإنسانية إلى التحرّر من كلّ أشكال العنصرية التوسعية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني.

الرسالة الثالثة:

إلى أبناء أمتنا، متضمّنة أنّه إذا أراد الإعلام الغربيّ والصهيونيّ المعروف الغايات والأغراض، ومن يعاونه من دوائر مشبوهة، الإيحاء بأنّ أمّتنا تعيش، ومعها العالم، عصر الإذعان لإملاءات الهيمنة الاستعمارية والصهيونية، وأنّ التفوّق الصهيونيّ هو قدرٌ لا يمكن مواجهته، فإنّنا نؤكّد أنّ أمّتنا تعيش عصر المقاومة والجهاد بكلّ الأشكال والمستويات، وأنها بفضل هذه المقاومة نجحت في دحر المحتل الصهيونيّ من جنوب لبنان، ومن قطاع غزة، كما نجحت في إرباك الاحتلال الأنجلو أمريكيّ في العراق وتحويله إلى مأزق متفاقم نلمس تداعياته كلّ يومٍ سواءً على أرض العراق، أو داخل الولايات المتحدة، وكلّ الدول المشاركة في العدوان والاحتلال.

الرسالة الرابعة:إلى حكام الدول العربية والإسلامية، بأنّ القدس هي أمانة في أعناقكم جميعًا، وأنّ حماية مقدساتها ودعم صمود أهلها، هي واجبكم، وأحد مصادر شرعية ولايتكم، وأنّ أيّ نكوص عن القيام بواجب إنقاذ القدس هو تخلٍّ عن واحد من أبسط مستلزمات المسؤولية التي تتحمّلونها، ومن هنا فقمّة مكة الإسلامية المرتقبة مدعوّة لأنْ تكون أيضًا قمة القدس وفلسطين، وكل أرض محتلة في العراق أو جنوب لبنان.

الرسالة الخامسة:

إلى المنظمات الدولية، وفى مقدّمتها الأمم المتحدة، بدعوتها إلى تحمّل مسؤولياتها الكاملة في حماية القدس وصون مقدساتها، وإفشال مخططات تهويدها باعتبار أنّ ما يجرى في القدس يشكّل اعتداءً على التراث الإنسانيّ.

الرسالة السادسة:

موجّهة لأعضاء المؤسسة وأصدقائها في كلّ بلدان الأمة وبلاد العالم، وتؤكّد على أنّ هذه المؤسسة التي ظنّ كثيرون أنها ستكون ظاهرة عابرة، وشكّكوا في دورها وحاولوا إلصاق شتّى التهم بها، قد أثبتت بفضل الله -عز وجل- رغم قِصَر عمرها وضآلة إمكاناتها أنها صادقة في وعدها، أمينة على عهدها، وفيّة لمنطلقاتها، جادة في خطاها، عازمة على تحقيق أهدافها بإذن الله.

ثانيًا: القرارات والتوصيات

تدارس المؤتمرون -وبقلق بالغ- الأوضاع الصعبة التي تعيشها مدينة القدس تحت الاحتلال الصهيونيّ؛ حيث تعدّدت وسائل استهدافه للقدس ومقدساتها، وفى مقدّمتها المسجد الأقصى الذي يتعرّض لكافة أنواع الاستهداف سواءً بالحفريات من حوله أو من تحت أساساته، أو منع المصلّين من الوصول إليه، وفتح المجال أمام المتطرّفين اليهود لتدنيسه بوتيرة متصاعدة فتوافقوا عليه.

1- التأكيد على حقّ الأمة الأبديّ في مدينة القدس باعتبارها أرض وقفٍ إسلاميّ، لا يجوز التنازل عنها، وأكّدوا تمسك الأمة بكافة مقدساتها الإسلامية والمسيحية، ودعوا إلى دعم صمود إنسانها، والمحافظة على عمرانها في مواجهة مخططات التهويد المستمرة.
2- الدعوة إلى تبنّي مشروع الوقف الخاص بمدينة القدس، والذي أطلقته مؤسسة القدس والشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس، على امتداد الأمة، ليعود ريعه إلى المشاريع المنفذة في القدس، والدعوة إلى تبنّي هذا المشروع في كلّ الأقطار العربية والإسلامية، هذا المشروع الذي بدأ تنفيذه فعليًا في جلسة إقرار المشاريع الخاصة بالقدس؛ حيث تمكّنت المؤسسة من خلالها جمع ما يزيد عن ثلاثة ملايين دولار أمريكيّ على شكل تبرّعات مباشرة، أو على شكل مِنَحٍ دراسية وعلاجية، هذا بالإضافة إلى مشاريع وقفٍ في البلدان العربية والإسلامية.
3- توجيه تحية الشكر والتقدير لمبادرة رئيس الجمهورية اليمنية المشير علي عبد الله صالح بتخصيص قطعة أرضٍ في المنطقة الصناعية في عدن ليُقام عليها مشروع استثماريّ يوقف ريعه لصالح القدس، وهى المبادرة التي أطلقها في زيارةٍ له أجراها رئيس مجلس أمناء المؤسسة الشيخ يوسف القرضاويّ، تعهّد فيها كذلك فخامة الرئيس اليمنى بمواصلة دعمه لمؤسسة القدس ونهج عملها، وبترحيبه بمواصلة استضافة لقاءات ومؤتمرات المؤسسة.
4- توجيه الشكر للمبادرة الرسمية والشعبية في البحرين بإنشاء مجمّع الأقصى الخيريّ الذي سيرصد ريعه لمشاريع القدس والمسجد الأقصى، وكذلك في السودان بتخصيص وقف للقدس، وللمبادرة الشعبية في لبنان والأردن بتخصيص أوقافٍ متعدّدة ومتنوعة الأشكال، يُرصد ريعها للقدس، ولقد تلقّى المؤتمرون هذه المبادرات بارتياح وتقدير كبيرين، ورأوا فيها بداية طيبة لنشر هذه الفكرة في شتى أنحاء العالم العربيّ والإسلاميّ.
5- توجيه برقية إلى القمة الإسلامية المرتقبة في مكة المكرمة، تُناشد ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية والإسلامية أنْ يخصّصوا لصون القدس وحمايتها ودعم صمود أهلها جزءًا رئيسًا من مداولاتهم ومقرراتهم، بالإضافة إلى دعم كفاح أبناء الأمة لتحرير أرضهم من الاحتلال في فلسطين والعراق ولبنان.
6- الطلب من ملوك ورؤساء وأمراء الدول المشاركة في مؤتمر القمة الإسلاميّ المنعقد في مكة المكرمة التنبّه للمبادرة الخبيثة الرامية إلى إضافة علامة ثالثة إلى جانب الصليب الأحمر والهلال الأحمر، هي النجم الأحمر الإسرائيليّ، والعمل على رفضها باعتبارها مدخلاً من مداخل التطبيع مع المحتل الصهيونيّ.
7- بعد تأكيدها على طابعها العربيّ والإسلاميّ من خلال مشاركة شخصيات تنتمي إلى الدول العربية والإسلامية، تؤكّد مؤسسة القدس على طابعها المدنيّ والعالميّ من خلال استقطاب شخصيات تنتمي إلى كلّ دول العالم، والسعي إلى العمل على تحويل قضية القدس إلى ساحة للحوار والتفاعل بين الديانات والحضارات باعتبارها مدينة الرسالات والمقدسات جميعًا.
8- إبداء أعلى درجات التضامن مع فضيلة الشيخ محمد بن علي المؤيد، والأخ محمد زايد المعتقلين في الولايات المتحدة الأمريكية والمحكوم عليهما بالسجن لمدة خمسة وسبعين عامًا بتهمة جمع أموال لدعم صمود الشعب الفلسطينيّ، ودعوة كلّ الجهات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان إلى العمل على الإفراج عنهما، وعن كلّ المعتقلين والأسرى في السجون الصهيونية والأمريكية.
9- دعوة كافة الدول العربية والإسلامية إلى تسهيل إجراءات تحويل المساعدات المالية للمؤسسات المدنية العاملة في القدس وفلسطين، لما له من كبير الأثر في تخفيف المعاناة عن أهلنا المرابطين هناك.

ثالثاً: القرارات الإدارية والقانونية:

عملاً بالنظام الأساسيّ لمؤسسة القدس، ومن موقعه كهيئة تأسيسية تشكّل أعلى سلطةٍ للمؤسسة، انعقد مجلس الأمناء، كما انعقد لقاء ممثلي المؤسسات الأعضاء في الشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس، في جلساتٍ متعددة، مشتركة ومنفصلة، تقرر فيها ما يلي:
1- اعتماد التقرير الإداريّ والمالي للمؤسسة للعام 2005م مع الملاحظات التي أبداها الحاضرون عليه.
2- إقرار الخطة والموازنة السنوية للمؤسسة للعام 2006م، مع الملاحظات التي أبداها الحاضرون عليها.
3- إقرار مشروع التعديلات القانونية المطروح على النظام الأساسي للمؤسسة عملاً بتوصيات المجلس في مؤتمره السابق في بيروت.
4- انتخب الأمناء سماحة الشيخ يوسف القرضاويّ رئيسًا لمجلس الرئاسة، ومعالي الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، والسيد على أكبر محتشمي، والأستاذ بشارة مرهج نوابًا للرئيس، والأستاذ خالد السفيانى أمينًا لسر هيئة رئاسة المجلس.
5- كما انتخب المجتمعون مجلس إدارة جديد من السادة: الشيخ فيصل مولوي، ومعن بشور، وحسن حدرج، ومحمد عمر الزبير، والأب أنطوان ضو، ومحمد صالح الهرماسى، وحميد بن عبد الله الأحمر، وممدوح رحمون، ومحمد حسب الرسول عبد النور، وسعود أبو محفوظ، ومنير سعيد، وصلاح عبد المقصود، ومحمد أكرم العدلوني، بصفته أمينًا عامًا للمؤسسة.
6- بعد اطّلاعهم على عروض إنجازات وأعمال المؤسسات المنضوية تحت الشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس، أبدى الحاضرون عميق تقديرهم للجهود التي تبذلها هذه المؤسسات لدعم مدينة القدس وتثبيت سكانها الصامدين، وتوافقوا على ضرورة الارتقاء بمستوى التنسيق والتعاون بين هذه المؤسسات وصولاً إلى التكامل في أعمالها ومشاريعها لرفع كفاءة العمل المدنيّ الداعم لأهلنا في القدس.
7- كما أقرّ أعضاء الشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس ميثاق الشبكة الذي يُنظّم عملها ويوضح مبادئ وآليات التعاون والتنسيق بين أعضائها.
8- تم اختيار د. محمد أكرم العدلونيّ منسقًا عامًا للشبكة، كما تم تشكيل المنسقية العامة للشبكة وفق معياريْ التخصص والخبرة والتوزيع الجغرافيّ، مع توصية باستحداث مقرٍّ جديد مناسبٍ للمنسقية العامة.

وفي الختام، جدّد المجتمعون الشكر لليمن رئيسًا وحكومة ومجلسًا نيابيًا وأحزابًا ونقاباتٍ وهيئاتٍ أهلية ومواطنين على الضيافة الكريمة التي أحاطوا بها ضيوف اليمن المشاركين في المؤتمر والملتقى، كما حيّوا جهود الأمانة العامة في التحضير الناجح لهما، والذي واكبه جهدٌ مميزٌ من فريق العمل اليمنيّ الذي سهر على راحة المشاركين وحسن استقبالهم ووفادتهم.

وعلى أمل اللقاء في المؤتمر الخامس لأمناء مؤسسة القدس والملتقى الثالث للشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس، عاشت القدس حرةً أبيةً بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، وعاشت فلسطين حرةً أبية عصية على الغزاة والمحتلين.

صنعاء في 6 من ديسمبر 2005م
الموافق 4 من ذي القعدة 1426هـ

No comments:

Post a Comment

شارك برايك